فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (27)

قوله : { وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من تتأتى منه الرؤية . وعبر عن المستقبل يوم القيامة بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه ، كما ذكره علماء المعاني ، و { وُقِفُواْ } معناه حبسوا ، يقال وقفته وقفا ووقف وقوفاً ، وقيل : معنى { وُقِفُواْ عَلَى النار } أدخلوها ، فتكون «على » بمعنى «في » . وقيل هي بمعنى الباء : أي وقفوا بالنار أي بقربها معاينين لها ، ومفعول ترى محذوف ، وجواب «لو » محذوف ، ليذهب السامع كل مذهب ، والتقدير : لو تراهم إذا وقفوا على النار لرأيت منظراً هائلاً وحالاً فظيعاً { فَقَالُواْ يا ليتنا نُرَدُّ } أي إلى الدنيا { وَلاَ نُكَذّبَ بآيات رَبّنَا } أي التي جاءنا بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، { وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين } بها العاملين بما فيها ، والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني أي تمنوا الرد ، وأن لا يكذبوا ، وأن يكونوا من المؤمنين ، برفع الأفعال الثلاثة كما هي قراءة الكسائي وأهل المدينة ، وشعبة ، وابن كثير ، وأبي عمرو .

وقرأ حفص ، وحمزة ، بنصب نكذب ونكون بإضمار أن بعد الواو على جواب التمني ، واختار سيبويه القطع في { وَلاَ نُكَذّبَ } فيكون غير داخل في التمني ، والتقدير : ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب ، أي لا نكذب رددنا أو لم نردّ ، قال : وهو مثل دعني ولا أعود ، أي لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني . واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله : { وَإِنَّهُمْ لكاذبون } لأن الكذب لا يكون في التمني . وقرأ ابن عامر { وَنَكُونَ } بالنصب ، وأدخل الفعلين الأوّلين في التمني ، وقرأ أبيّ «وَلاَ نُكَذّبَ بآيات رَبّنَا أَبَدًا » وقرأ هو وابن مسعود «يا ليتنا نُرَدُّ فلاَ نُكَذّبَ » بالفاء والنصب ، والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو كما قال الزجاج ، وقال أكثر البصريين : لا يجوز الجواب إلا بالفاء .

/خ28