إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (27)

{ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النار } شروعٌ في حكاية ما سيصدر عنهم يوم القيامة من القول المناقضِ لما صدر عنهم في الدنيا من القبائحِ المَحْكيّة مع كونه كِذْباً في نفسه ، والخطابُ إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحدٍ من أهل المشاهَدة والعِيانِ قصداً إلى بيان كمالِ سوءِ حالهم وبلوغِها من الشناعة والفظاعةِ إلى حيث لا يختصُّ استغرابُها براءٍ دون راءٍ ممن اعتاد مشاهدةَ الأمورِ العجيبة ، بل كلُّ من يتأتى منه الرؤيةُ يتعجبُ من هولها وفظاعتِها ، وجوابُ ( لو ) محذوف ثقةً بظهوره وإيذاناً بقصور العبارة عن تفصيله ، وكذا مفعولُ ( ترى ) لدِلالة ما في حيِّز الظرْفِ عليه أي لو تراهم حين يوقَفون على النار حتى يعاينوها لرأيتَ ما لا يسعه التعبيرُ ، وصيغةُ الماضي للدَلالة على التحقق أو حين يطّلعون عليها اطّلاعاً وهي تحتَهم أو يدخُلونها فيعرِفون مقدارَ عذابها ، من قولهم : وقفتُه على كذا إذا فهَّمتُه وعرَّفته . وقرئ ( وقَفوا ) على البناء للفاعل من وقَف عليه وقوفاً . { فَقَالُوا يا ليتنا نُرَدُّ } أي إلى الدنيا تمنياً للرجوع والخلاص ، وهيهاتَ ، ولاتَ حينَ مناص { وَلاَ نُكَذّبَ بآيات رَبّنَا } أي بآياته الناطقةِ بأحوال النار وأهوالها ، الآمرةِ باتقائها إذ هي التي تخطُر حينئذ ببالهم ، ويتحسرون على ما فرّطوا في حقها أو بجميع آياتِه المنتظمةِ لتلك الآياتِ انتظاماً أولياً { وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين } بها العاملين بمقتضاها حتى لا نرى هذا الموقفَ الهائلَ أو نكونَ من فريق المؤمنين الناجين من العذاب الفائزين بحُسن المآب ، ونصبُ الفعلين على جواب التمني بإضمار أنْ بعد الواو وإجرائها مجرى الفاء ويؤيده قراءةُ ابن مسعود وابنِ إسحاقَ ( فلا نكذبَ ) والمعنى إنْ رُدِدْنا لم نكذبْ ونكنْ من المؤمنين . وقيل : ينسَبِكُ من أن المصدرية ومن الفعل بعدها مصدرٌ ويقدّر قبله مصدرٌ متوهِّم فيُعطَف هذا عليه كأنه قيل : ليت لنا رداً وانتفاءَ تكذيبٍ وكوناً من المؤمنين ، وقرئ برفعهما على أنه كلامٌ مستأنف كقوله : دعني ولا أعودُ أي وأنا لا أعود تركتَني أو لم تترُكْني ، أو عطفٌ على ( نرد ) أو حال من ضميره فيكون داخلاً في حكم التمني كالوجه الأخير للنصب ، وتعلقُ التكذيب الآتي به لما تضمّنه من العِدَة بالإيمان وعدمِ التكذيب كما قال : ليتني رُزقتُ مالاً فأكافئَك على صنيعك فإنه متمنٍّ في معنى الواعد فلو رزق مالاً ولم يكافئ صاحبه يكون مكذِّباً لا محالة ، وقرئ برفع الأول ونصب الثاني وقد مر وجههما .