فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (27)

{ ولو ترى } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من تتأتى منه الرؤية ، وعبر عن المستقبل أي يوم القيامة بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه كما ذكره علماء المعاني { إذ وقفوا على النار } معناه حبسوا عليها يقال وقفته وقفا ووقف وقوفا وقيل معناه ادخلوها فيكون { على } بمعنى في ، وقيل هي بمعنى الباء أي وقفوا بالنار أي بقربها معاينين لها ، ومفعول ترى وجواب لو محذوف ليذهب السامع كل مذهب والتقرير لو تراهم إذ وقفوا على النار لرأيت منظرا هائلا وحالا فظيعا وأمرا عجيبا .

{ فقالوا يا ليتنا نرد } إلى الدنيا { ولا نكذب بآيات ربنا } أي الناطقة بأحوال النار وأهوالها الآمرة بارتقائها إذ هي التي تخطر حينئذ ببالهم ويتحسرون على ما فرطوا في حقها أو بجميع آياته المنتظمة لتلك الآيات انتظاما أوليا { ونكون من المؤمنين } {[685]} بها والعاملين بما فيها والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني أي تمنوا الرد ، وأن لا يكذبوا ، وأن يكونوا من المؤمنين برفع الأفعال الثلاثة كما هي قراءة الكسائي وأهل المدينة ، وقرئ بنصب نكذب ونكون بإضمار أن بعد الواو على جواب التمني ، واختار سيبويه القطع في ولا نكذب فيكون غير داخل في التمني ، والتقدير ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب أي لا نكذب رددنا أو لم نرد ، قال وهو مثل دعني ولا أعود أي لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني .

واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله : { وإنهم لكاذبون } لأن الكذب في التمني لا يكون ، وقرأ ابن عامر ونكون بالنصب وأدخل الفعلين الأولين في التمني ، وقرأ أبي ولا نكذب بآيات ربنا أبدا . وقرأ هو وابن مسعود فلا نكذب بالفاء والنصب ، والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو كما قال الزجاج ، وقال أكثر البصريين لا يجوز الجواب إلا بالفاء .


[685]:إن أبا طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتباعد عما جاء به، فنزلت فيه هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول عمرو بن دينار، وعطاء بن دينار، والقاسم ابن مخيمرة. وقال مقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون بالنبي الله صلى الله عليه وسلم سوءا، فسألوا أبا طالب أن يدفعه إليهم، فيقتلوه، فقال: ما لي عنه صبر، فقالوا: ندفع إليك من شبابنا من شئت مكان ابن أخيك، فقال أبو طالب: حين تروح الإبل، فإن حنت ناقة إلى غير فصيلها دفعته إليكم، وقال: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا وعرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا فنزلت فيه هذه الآية.