معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

قوله تعالى : { لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } أي : لعلي أن أقول لا إله إلا الله . وقيل : أعمل بطاعة الله . قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله ، فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب ، { كلا } كلمة ردع وزجر ، أي : لا يرجع إليها ، { إنها } يعني : سؤاله الرجعة ، { كلمة هو قائلها } ولا ينالها { ومن ورائهم برزخ } أي أمامهم وبين أيديهم حاجز ، { إلى يوم يبعثون } والبرزخ الحاجز بين الشيئين ، واختلفوا في معناه هاهنا ، فقال مجاهد : حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا . وقال قتادة : بقية الدنيا . وقال الضحاك : البرزخ ما بين الموت إلى البعث . وقيل : هو القبر ، وهم فيه إلى يوم يبعثون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

99

لتدارك ما فات ، والإصلاح فيما ترك وراءه من أهل ومال . . وكأنما المشهد معروض اللحظة للأنظار ، مشهود كالعيان ! فإذا الرد على هذا الرجاء المتأخر لا يوجه إلى صاحب الرجاء ، إنما يعلن على رؤوس الأشهاد :

( كلا . إنها كلمة هو قائلها . . . )

كلمة لا معنى لها ، ولا مدلول وراءها ، ولا تنبغي العناية بها أو بقائلها . إنها كلمة الموقف الرهيب ، لا كلمة الإخلاص المنيب . كلمة تقال في لحظة الضيق ، ليس لها في القلب من رصيد !

وبها ينتهي مشهد الاحتضار . وإذا الحواجز قائمة بين قائل هذه الكلمة والدنيا جميعا . فلقد قضي الأمر ، وانقطعت الصلات ، وأغلقت الأبواب ، وأسدلت الأستار :

( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) . .

فلا هم من أهل الدنيا ، ولا هم من أهل الآخرة . إنما هم في ذلك البرزخ بين بين ، إلى يوم يبعثون .