اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

قوله : { لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } أي : ضيّعتُ . أي : أقول{[33352]} لا إله إلاَّ الله{[33353]} .

وقيل : أعمل بطاعة الله تعالى . وقيل : أعمل صالحاً فيما قصّرتُ ، فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية ، وهذا أقرب ، لأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه{[33354]} . فإن قيل : قوله تعالى : { لعلي أَعْمَلُ صَالِحاً } كيف يجوز أن يسأل الرجعة مع الشك .

فالجواب : ليس المراد ب «لَعَّلَ » الشك فإِنَّه في هذا الوقت باذل للجهد في العزم على الطاعة إن أعطي ما{[33355]} سأل ، فهو مِثْل من قَصّر في حق نفسه ، وعرف سوء عاقبة ذلك التقصير ، فيقول : مكنُونِي من{[33356]} التدارك{[33357]} لعلى أتدارك فيقول هذه الكلمة مع كونه جازماً بأنه سيتدارك .

ويحتمل أيضا أن الأمر المستقبل إذا لم يعرفوه أوردوا الكلام الموضوع للترجي والظن دون اليقين فقد قال تعالى : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ }{[33358]} {[33359]} [ الأنعام : 28 ] .

قوله : «كَلاَّ »{[33360]} كلمة ردع وزجر أي : لا ترجع . معناه المنع طلبوا{[33361]} ، كما يقال لطالب الأمر المُسْتبعد : هَيْهَات . ويحتمل أن يكون ذلك إخباراً بأنهم يقولون ذلك ، وأنّ هذا الخبر حق ، فكأنّه تعالى قال : حقاً إنّها كلمة هو قائلها . والأول أقرب {[33362]} .

قوله : «إِنَّهَا كَلِمةٌ » من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل كقوله : «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد }{[33363]} يعني قوله :

أَلاَ كُلُّ شَيءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِل{[33364]} *** . . .

وقد تقدم طرف من هذا في آل عمران{[33365]} . و «هُوَ قَائِلُهَا » صفة ل «كَلِمَة » .

والمراد بالكلمة : سؤاله الرجعة : كلمة هو قائلها ولا ينالها ، وقيل : معناه لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه{[33366]} .

قوله : «وَمِنْ وَرَائِهِمْ » أي : أمامهم وبين أيديهم{[33367]} . «بَرْزَخٌ » البرزخ : الحاجز بين المسافتين{[33368]} وقيل : الحجاب بين الشيئين أن يصل أحدهما إلى الآخر{[33369]} ، وهو بمعنى الأوّل .

وقال الراغب : أصلة برْزَة بالهاء فعُرّب ، وهو في القيامة الحائل بين الإنسان وبين المنازل الرفيعة{[33370]} والبرزخ قبل البعث المنع بين الإنسان وبين الرجعة التي يتمناها .

قال مجاهد : حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا . ( وقال قتادة : بقيّة الدنيا ) {[33371]} .

قال الضحاك : البرزخ ما بين الموت إلى البعث . وقيل : القبر وهم فيه إلى يوم يبعثون{[33372]} .


[33352]:في ب: قول.
[33353]:أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قول: لعلي أعمل صالحا فيما تركت "قال: لعلي أقول: لا إله إلا الله" وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: "لعلي أعمل صالحا" قال: لا إله إلا الله، الدر المنثور 5/15.
[33354]:انظر الفخر الرازي 23/121.
[33355]:في ب: ما من. وهو تحريف.
[33356]:من: سقط من ب.
[33357]:الدرك: اللحاق، وقد أدركه وتدارك القوم: تلاحقوا، أي: لحق آخرهم أولهم. اللسان (درك).
[33358]:[الأنعام: 28].
[33359]:انظر الفخر الرازي 23/121.
[33360]:انظر مذاهب النحويين في هذه اللفظة في سورة مريم عند قول تعالى: {كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} الآية (79).
[33361]:في ب: فاطلبوا. وهو تحريف.
[33362]:انظر الفخر الرازي 23/121.
[33363]:أخرجه البخاري (مناقب الأنصار) 2/319، ومسلم (شعر) 4/1768 – 1769 ابن ماجه (أدب) 2/1236.
[33364]:صدر بيت من بحر الطويل قاله لبيد بن ربيعة، وعجزه: وكل نعيم لا محالة زائل *** ... وقد تقدم.
[33365]:عند قوله تعالى: {أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله} [آل عمران: 39] وقوله تعالى: {قل يا أيها الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} من الآية (64) من السورة نفسها. انظر اللباب 2/228 – 262 – 263.
[33366]:انظر الكشاف 3/55، الفخر الرازي 23/122.
[33367]:انظر القرطبي 12/150.
[33368]:في النسختين: المتنافيين.
[33369]:انظر البحر المحيط 6/416 – 417.
[33370]:المفردات في غريب القرآن (43).
[33371]:ما بين القوسين سقط من ب.
[33372]:انظر البغوي 6/40.