الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

قوله تعالى : " لعلي أعمل صالحا " قال ابن عباس : يريد أشهد أن لا إله إلا الله . " فيما تركت " أي فيما ضيعت وتركت العمل به من الطاعات . وقيل " فيما تركت " من المال فأتصدق . و " لعل " تتضمن ترددا ، وهذا الذي يسأل الرجعة قد استيقن العذاب ، وهو يوطن نفسه على العمل الصالح قطعا من غير تردد . فالتردد يرجع إما إلى رده إلى الدنيا ، وإما إلى التوفيق ، أي أعمل صالحا إن وفقتني ؛ إذ ليس على قطع من وجود القدرة والتوفيق لو رد إلى الدنيا . " كلا " هذه كلمة رد ، أي ليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا ، بل هو كلام يطيح في أدراج الريح . وقيل : لو أجيب إلى ما يطلب لما وفى بما يقول ؛ كما قال : " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " {[11718]} [ الأنعام : 28 ] . وقيل : " كلا إنها كلمة هو قائلها " ترجع إلى الله تعالى ، أي لا خلف في خبره ، وقد أخبر أنه لن يؤخر نفسا إذا جاء أجلها ، وأخبر بأن هذا الكافر لا يؤمن . وقيل : " إنها كلمة هو قائلها " عند الموت ، ولكن لا تنفع . " ومن ورائهم برزخ " أي ومن أمامهم وبين أيديهم . وقيل : من خلفهم . " برزخ " أي حاجز بين الموت والبعث ، قاله الضحاك ومجاهد وابن زيد . وعن مجاهد أيضا أن البرزخ هو الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا . وعن الضحاك : هو ما بين الدنيا والآخرة . ابن عباس . حجاب . السدي : أجل . قتادة : بقية الدنيا . وقيل : الإمهال إلى يوم القيامة ، حكاه ابن عيسى . الكلبي : هو الأجل ما بين النفختين ، وبينهما أربعون سنة . وهذه الأقوال متقاربة . وكل حاجز بين شيئين فهو برزخ . قال الجوهري : البرزخ الحاجز بين الشيئين . والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات فقد دخل في البرزخ . وقال رجل بحضرة الشعبي : رحم الله فلانا فقد صار من أهل الآخرة ! فقال : لم يصر من أهل الآخرة ، ولكنه صار من أهل البرزخ ، وليس من الدنيا ولا من الآخرة . وأضيف " يوم " إلى " يبعثون " لأنه ظرف زمان ، والمراد بالإضافة المصدر .


[11718]:راجع ج 6 ص 10.