الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

{ قال } لعظيم ما يعاين من عذاب الله : { رب ارجعون } إلى الدنيا { لعلي أعمل صالحا فيما تركت } قبل اليوم من العمل فضيعته وفرطت فيه . وذلك تندما منه على ما فات وتلهفا .

يقول الجبار : { كلا } أي : لا ترد ، وذلك لا ينفعه ، لأنه وقت رفع عنه حد التكليف ، فلا تنفع فيه توبة ، وذلك عند اليقين بالموت ، والبشارة بما أعد{[47632]} له من العذاب ، والإعلام بما كان عليه من الخطأ في دينه ، فإذا عاين ذلك كله ، لم ينفعه ندم ولم يتقبل منه توبة ولم يقل من ندامته .

وليست ( لعل ) في هذا للشك ، لم يرد لعلي أعمل أو لا أعمل إنما هي لليقين ، أي : إن أرددت عملت ، وهو لا يرد أبدا .

قال ابن زيد{[47633]} : ذلك حين{[47634]} تنقطع الدنيا ، ويعاين الآخرة قبل أن يذوق الموت .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال{[47635]} : { إذا حضر الإنسان / الموت جمع له كل شيء كان يمنعه من ماله من حقه ، فجعل بين يديه ، فعند ذلك يقول : { رب ارجعون . . . }الآية .

وروى ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[47636]} : " إذا عاين المؤمن الملائكة ، قالوا : نرجعك إلى الدنيا ، فيقول : إلى دار الهموم والأحزان ، فيقول : بل قدما إلى الله جل ثناؤه ، وأما الكافر فيقول : رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت .

قال الضحاك{[47637]} : يعني به أهل الشرك .

وقوله : { رب ارجعون } بالتوحيد ثم بالجمع فإنما ذلك لأن الكافر ابتدأ سؤاله إلى الله ، ثم رجع إلى خطاب الملائكة الذين يتولون القبض روحه ، فأتى بلفظ الجمع لأنهم جماعة ، ووحد أولا لأن الله واحد .

وقيل{[47638]} : إنه إنما{[47639]} جمع لأن الجبار يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة تعظيما ، فإذا خوطب جرى أيضا على ذلك ، فجرى أول الكلام على التوحيد وآخره على لفظ الجمع للتعظيم .

وقيل{[47640]} : إنما جاء ( ارجعون ) بلفظ الجمع ، لأنه بمعنى : ارجع ارجع ففيه معنى التكرير ، وكذلك قال المازني{[47641]} في قوله : { ألقيا في جهنم }{[47642]} قال : معناه : الق الق .

ثم قال : { إنها كلمة هو قائلها } قال ابن زيد : لا بد كل مشرك أن يقولها .

ثم قال تعالى : { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون }[ 101 ] .

البرزخ هو مقامهم تحت التراب إلى يوم البعث فهو حاجز بينهم وبين الرجوع .

قال ابن عباس{[47643]} : ( برزخ ) أجل إلى حين .

وقال ابن جبير{[47644]} : برزخ ما بعد الموت .

وحضر أبو أمامة جنازة ، فلما وضعت في اللحد قال : هذا برزخ إلى يوم يُبعثون .

وقال مجاهد{[47645]} : ( البرزخ ) ما بين الموت إلى البعث .

وقال الضحاك{[47646]} : ( البرزخ ) ما بين الدنيا والآخرة .

وحقيقة البرزخ في اللغة أنه كل حاجز بين شيئين .

وقال رجل بحضرة الشعبي رحم الله فلانا صار من أهل الآخرة فقال : لم يصر من أهل الآخرة ، ولكنه صار{[47647]} من أهل البرزخ ، وليس من الدنيا ولا من الآخرة{[47648]} .


[47632]:ز: أعد الله له.
[47633]:انظر: جامع البيان 18/52.
[47634]:ز: حتى.
[47635]:كنز العمال (42176) وإتحاف السادة المتقين 10/404.
[47636]:انظر: إتحاف السادة المتقين 10/404.
[47637]:انظر: جامع البيان 18/52.
[47638]:وهو قول الزجاج في معاني القرآن 2/21-22.
[47639]:إنما سقطت من ز.
[47640]:نسب الزوزني هذا القول للمازني فلي شرح المعلقات السبع: 10.
[47641]:انظر: سر صناعة الإعراب 1/225. والمازني، هو أبو بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، أبو عثمان المازني، أحد الأئمة في النحو، من أهل البصرة. (ت: 249 هـ).
[47642]:ق: 24.
[47643]:انظر: جامع البيان 18/53.
[47644]:انظر: المصدر السابق.
[47645]:انظر: جامع البيان 18/53، وتفسير القرطبي 12/150.
[47646]:انظر: جامع البيان 18/53، وتفسير القرطبي 12/150.
[47647]:صار سقطت من ز.
[47648]:انظر: تفسير القرطبي 12/150.