السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ} (100)

ولما كان في تلك الحالة مع وصوله إلى الغرغرة ليس على القطع من اليأس قال : { لعلي أعمل } أي : لأن كون على رجاء من أن اعمل { صالحاً فيما تركت } أي : ضيعت من الإيمان بالله وتوابعه فيدخل في الأعمال الأعمال البدنية والمالية وعنه صلى الله عليه وسلم «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان بلى قدوماً على الله ، وأما الكافر فيقول : رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت » قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهله ولا عشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله امرأ عمل فيما تمناه الكافر إذا رأى العذاب ، وقال ابن كثير : كان العلاء بن زياد يقول : لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت واستقال ربه ، فأقاله فليعمل بطاعة الله تعالى ، ولما كان القضاء قد قطع بأنه لا يرجع ولو رجع لم يعمل بطاعة الله عز وجل ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنهم لكاذبون ، قال الله تعالى له ردعاً ورداً لكلامه : { كلا } أي : لا يكون شيء من ذلك وكأنه قيل : فما حكم ما قال ؟ فقيل : { إنها كلمة } والمراد بالكلمة في اللغة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض رب ارجعون إلى آخره { هو قائلها } وقد عرف منه الخداع والكذب فهي كما عهد منه لا حقيقة لها ، فلا يجاب إليها ولا تسمع منه وهو لا محالة لا يخليها ، ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه ، وتسلط الندم { ومن ورائهم } أي : أمامهم والضمير للجماعة { برزخ } أي : حاجز حائل بينهم وبين الرجعة ، واختلف في معناه فقال مجاهد : حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا ، وقال قتادة : بقية الدنيا ، وقال الضحاك : البرزخ ما بين الموت إلى البعث ، وقيل : هو الموت ، وقيل : هو القبر هم فيه { إلى يوم يبعثون } وهو يوم القيامة ، وفي هذا إقناط كليّ من الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا ، وإنما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة .