قوله تعالى : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } قال السدي : التقي الأخنس بن شريق ، وأبو جهل بن هشام ، فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد بن عبد الله ، أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيري ، فقال أبو جهل : والله إن محمداً لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء ، والسقاية ، والحجابة ، والندوة ، والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش ؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية . وقال ناجبة بن كعب : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : لا نتهمك ولا نكذبك ، ولكنا نكذب الذي جئت به ، فأنزل الله تعالى : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } بأنك كاذب .
قوله تعالى : { فإنهم لا يكذبونك } ، قرأ نافع والكسائي بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، من التكذيب ، والتكذيب هو أن تنسبه إلى الكذب ، وتقول له : كذبت ، والإكذاب هو أن تجده كاذباً ، تقول العرب : أجدبت الأرض وأخصبتها ، إذا وجدتها جدبة ومخصبة .
قوله تعالى : { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } ، يقول : إنهم لا يكذبونك في السر ، لأنهم قد عرفوا صدقك فيما مضى ، وإنما يكذبون وحيي ويجحدون آياتي ، كما قال : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النمل :94 ] .
{ 33 - 35 } { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ }
أي : قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك يحزنك ويسوءك ، ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية . فلا تظن أن قولهم صادر عن اشتباه في أمرك ، وشك فيك . { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ } لأنهم يعرفون صدقك ، ومدخلك ومخرجك ، وجميع أحوالك ، حتى إنهم كانوا يسمونه -قبل البعثة- الأمين . { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي : فإن تكذيبهم لآيات الله التي جعلها الله على يديك{[286]} .
استئناف ابتدائي قصدت به تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره بالصبر ، ووعده بالنصر ، وتأييسه من إيمان المتغالين في الكفر ، ووعده بإيمان فرق منهم بقوله : { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى إلى قوله يسمعون } . وقد تهيّأ المقام لهذا الغرض بعد الفراغ من محاجّة المشركين في إبطال شركهم وإبطال إنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم والفراغ من وعيدهم وفضيحة مكابرتهم ابتداء من قوله : { وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم } [ الأنعام : 4 ] إلى هنا .
و { قد } تحقيق للخبر الفعلي ، فهو في تحقيق الجملة الفعلية بمنزلة ( إنّ ) في تحقيق الجملة الاسمية . فحرف { قد } مختصّ بالدخول على الأفعال المتصرّفة الخبرية المثبتة المجرّدة من ناصب وجازم وحرف تنفيس ، ومعنى التحقيق ملازم له . والأصحّ أنّه كذلك سواء كان مدخولها ماضياً أو مضارعاً ، ولا يختلف معنى { قد } بالنسبة للفعلين . وقد شاع عند كثير من النحويّين أنّ { قد } إذا دخل على المضارع أفاد تقليل حصول الفعل . وقال بعضهم : إنّه مأخوذ من كلام سيبويه ، ومن ظاهر كلام « الكشاف » في هذه الآية . والتحقيق أنّ كلام سيبويه لا يدلّ إلاّ على أنّ { قد } يستعمل في الدلالة على التقليل لكن بالقرينة وليست بدلالة أصلية . وهذا هو الذي استخلصتُه من كلامهم وهو المعوّل عليه عندي . ولذلك فلا فرق بين دخول { قد } على فعل المضي ودخوله على الفعل المضارع في إفادة تحقيق الحصول ، كما صرّح به الزمخشري في تفسير قوله تعالى : { قد يعلم ما أنتم عليه } في سورة النور ( 64 ) . فالتحقيق يعتبر في الزمن الماضي إن كان الفعل الذي بعد { قد } فعلَ مُضيّ ، وفي زمن الحال أو الاستقبال إن كان الفعل بعد ( قد ) فعلاً مضارعاً مع ما يضمّ إلى التحقيق من دلالة المقام ، مثلِ تقريب زمن الماضي من الحال في نحو : قد قامت الصلاة . وهو كناية تنشأ عن التعرّض لتحقيق فعل ليس من شأنه أن يشكّ السامع في أنّه يقع ، ومثللِ إفادة التكثير مع المضارع تبعاً لما يقتضيه المضارع من الدلالة على التجدّد ، كالبيت الذي نسبه سيبويه للهذلي ، وحقّق ابن بري أنّه لعبيد بن الأبرص ، وهو :
قَدْ أتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّا أنَامِلُه *** كأنّ أثْوَابَه مُجَّتْ بِفِرْصَاد
أخا ثقة لا تُهلك الخمرُ مالَه *** ولكنَّه قد يهلك المالَ نائلُه
وإفادة استحضار الصورة ، كقول كعب :
لَقد أقُومُ مَقَاما لو يقوم به *** أرى وأسمعُ ما لو يسمَع الفِيلُ
لَظلّ يُرعَد إلاّ أن يكون له *** من الرسول بإذن الله تَنْويل
أراد تحقيق حضوره لدى الرسول صلى الله عليه وسلم مع استحضار تلك الحالة العجيبة من الوجل المشوب بالرجاء .
والتحقيق أنّ كلام سيبويه بريء ممّا حَمَّلوه ، وما نشأ اضطراب كلام النحاة فيه إلاّ من فهم ابن مالك لكلام سيبويه . وقد ردّه عليه أبو حيّان ردّاً وجيهاً .
فمعنى الآية علمنا بأنّ الذي يقولونه يُحزنك محقّقاً فتصبّر . وقد تقدّم لي كلام في هذه المسألة عند قوله تعالى : { قد نرى تقلّب وجهك في السماء } في سورة البقرة ( 144 ) ، فكان فيه إجمال وأحَلْت على تفسير آية سورة الأنعام ، فهذا الذي استقرّ عليه رأيي .
وفعل نعلم } معلّق عن العمل في مفعولين بوجود اللام .
والمراد ب { الذي يقولون } أقوالهم الدّالة على عدم تصديقهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما دلّ عليه قوله بعده { ولقد كُذّبَتْ رسل } [ الأنعام : 34 ] ، فعدل عن ذكر اسم التكذيب ونحوه إلى اسم الموصول وصلته تنزيهاً للرسول عليه الصلاة والسلام عن ذكر هذا اللفظ الشنيع في جانبه تلطّفاً معه .
وقرأ نافع ، وأبو جعفر { لَيُحْزنك } بضم الياء وكسر الزاي . وقرأه الباقون بفتح الياء وضمّ الزاي يُقال : أحزنت الرجل بهمزة تعدية لفعل حَزن ، ويقال : حَزَنْتُه أيضاً . وعن الخليل : أنّ حزنته ، معناه جعلت فيه حُزناً كما يقال : دَهنته . وأمّا التعدية فليست إلاّ بالهمزة . قال أبو علي الفارسي : حَزَنْت الرجل ، أكثر استعمالاً ، وأحزنته ، أقيس . و { الذي يقولون } هو قولهم ساحر ، مجنون ، كاذب ، شاعر . فعدل عن تفصيل قولهم إلى إجماله إيجازاً أو تحاشياً عن التصريح به في جانب المنزّه عنه .
والضمير المجعول اسم ( إنّ ) ضمير الشأن ، واللام لام القسم ، وفعل { يحزنك } فعل القسم ، و { الذي يقولون } فاعله ، واللام في { ليحزنك } لام الابتداء ، وجملة { يحزنك } خبر إنّ ، وضمائر الغيبة راجعة إلى { الذين كفروا } في قوله { ثم الذين كفروا بربِّهم يعدلون } .
والفاء في قوله : { فإنّهم } يجوز أن تكون للتعليل ، والمعلّل محذوف دلّ عليه قوله : { قد نعلم } ، أي فلا تحزنْ فإنّهم لا يُكذبونك ، أي لأنّهم لا يكذبونك . ويجوز كونها للفصيحة ، والتقدير : فإن كان يحزنك ذلك لأجل التكذيب فإنّهم لا يكذبونك ، فالله قد سلّى رسوله عليه الصلاة والسلام بأن أخبره بأنّ المشركين لا يكذبونه ولكنّهم أهل جحود ومكابرة . وكفى بذلك تسلية . ويجوز أن تكون للتفريع على { قد نعلم } ، أي فعلمنا بذلك يتفرّع عليه أنّا نثبّت فؤادك ونشرح صدرك بإعلامك أنّهم لا يكذبونك ، وإن نذكِّرك بسنة الرسل من قبلك ، ونذكّرك بأنّ العاقبة هي نصرك كما سبق في علم الله .
وقرأ نافع ، والكسائي ، وأبو جعفر { لا يكْذبونك } ، بسكون الكاف وتخفيف الذال . وقرأه الجمهور بفتح الكاف وتشديد الذال . وقد قال بعض أئمة اللغة إنّ أكذب وكذّب بمعنى واحد ، أي نسبه إلى الكذب . وقال بعضهم : أكذبه ، وجده كاذباً ، كما يقال : أحمدَه ، وجده محموداً . وأمّا كذّب بالتشديد فهو لنسبة المفعول إلى الكذب . وعن الكسائي : أنّ أكذبه هو بمعنى كَذّب ما جاء به ولم ينْسُب المفعول إلى الكذب ، وأنّ كذّبه هو نسبه إلى الكذب . وهو معنى ما نقل عن الزجّاج معنى كذبتهُ ، قلت له : كذبتَ ، ومعنى أكذبتُه ، أريتُه أنّ ما أتى به كَذب .
وقوله : { ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون } استدراك لدفع أن يتوهّم من قوله : { لا يكذبونك } على قراءة نافع ومن وافقه أنّهم صدّقوا وآمنوا ، وعلى قراءة البقية { لا يكذّبونك } أنّهم لم يصدر منهم أصل التكذيب مع أنّ الواقع خلاف ذلك ، فاستدرك عليه بأنّهم يجحدون بآيات الله فيظهر حالهم كحال من ينسب الآتيَ بالآيات إلى الكذب وما هم بمكذّبين في نفوسهم .
والجحد والجحود ، الإنكار للأمر المعروف ، أي الإنكار مع العلم بوقوع ما ينكر ، فهو نفي ما يَعلم النافي ثبوته ، فهو إنكار مكابرة .
وعُدل عن الإضمار إلى قوله { ولكنّ الظّالمين } ذمّاً لهم وإعلاماً بأنّ شأن الظالم الجحد بالحجّة ، وتسجيلاً عليهم بأنّ الظلم سجيّتهم .
وعدّي { يجحدون } بالباء كما عدّي في قوله : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النحل : 14 ] لتأكيد تعلّق الجحد بالمجحود ، كالباء في قوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] ، وفي قوله : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلاّ أن كذّب بها الأولون } [ الإسراء : 59 ] ، وقول النابغة :
لك الخير إن وارتْ بك الأرض واحداً *** وأصبح جَدّ الناس يظلع عاثراً
ثم إنّ الجحد بآيات الله أريد به الجحد بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الآيات . وجحْدها إنكار أنّها من آيات الله ، أي تكذيب الآتي بها في قوله : إنّها من عند الله ، فآل ذلك إلى أنّهم يكذّبون الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف يجمع هذا مع قوله { فإنّهم لا يكذّبونك } على قراءة الجمهور . والذي يستخلص من سياق الآية أنّ المراد فإنّهم لا يعتقدون أنّك كاذب لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام معروف عندهم بالصدق وكان يلقّب بينهم بالأمين . وقد قال النضر بن الحارث لمّا تشاورت قريش في شأن الرسول : « يا معشر قريش قد كان محمد فيكم غلاماً أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً حتّى إذا رأيتم الشيب في صدغيه قلتم ساحر وقلتم كاهن وقلتم شاعر وقلتم مجنون ووالله ما هُو بأولئكم » . ولأنّ الآيات التي جاء بها لا يمتري أحد في أنّها من عند الله ، ولأنّ دلائل صدقه بيِّنة واضحة ولكنّكم ظالمون .
والظالم هو الذي يجري على خلاف الحقّ بدون شبهة . فهم ينكرون الحق مع علمهم بأنّه الحق ، وذلك هو الجحود . وقد أخبر الله عنهم بذلك وهو أعلم بسرائرهم . ونظيرها قوله تعالى حكاية عن قوم فرعون { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلُوّاً } [ النمل : 14 ] فيكون في الآية احتباك . والتقدير : فإنّهم لا يكذّبونك ولا يكذّبون الآيات ولكنّهم يجحدون بالآيات ويجحدون بصدقك ، فحذف من كلَ لدلالة الآخر .
وأخرج الترمذي عن ناجية بن كعب التابعي أنّ أبا جهل قال للنبيء صلى الله عليه وسلم لا نكذّبك ولكن نكذّب ما جئت به . فأنزل الله { فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون } . ولا أحسب هذا هو سبب نزول الآية . لأنّ أبا جهل إن كان قد قال ذلك فقد أراد الاستهزاء ، كما قال ابن العربي في « العارضة » : ذلك أنّه التكذيب بما جاء به تكذيب له لا محالة ، فقوله : لا نكذّبك ، استهزاء بإطماع التصديق .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قد نعلم إنه يحزنك الذي يقولون}، نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصى، كان الحارث يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية، فإذا خلا مع أهل ثقته، قال: ما محمد من أهل الكذب، وإني لأحسبه صادقا، وكان إذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنا لنعلم أن هذا الذي تقول حق، وإنه لا يمنعنا أن نتبع الهدى معك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس، يعني العرب، من أرضنا إن خرجنا، فإنما نحن أكلة رأس، ولا طاقة لنا بهم، نظيرها في القصص: {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} (القصص: 57)، فأنزل الله: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} في العلانية بأنك كذاب مفتر، {فإنهم لا يكذبونك} في السر بما تقول بأنك نبي رسول، بل يعلمون أنك صادق، وقد جربوا منك الصدق فيما مضى، {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}: بالقرآن بعد المعرفة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقول المشركون، وذلك قولهم له: إنه كذّاب، "فإنهم لا يكذّبونك". فقرأته جماعة من أهل الكوفة: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) بالتخفيف، بمعنى: إنهم لا يُكْذِبونك فيما أتيتهم به من وحي الله، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحًا، بل يعلمون صحته، ولكنهم يجحَدون حقيقته قولا فلا يؤمنون به.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون: أكذبت الرجل: إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه. قال: ويقولون: كذبته: إذا أخبرت أنه كاذب. وقرأته جماعة من قرّاء المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة: "فإنّهُمْ لا يُكَذّبونَكَ "بمعنى: أنهم لا يكذّبونك علما، بل يعلمون أنك صادق، ولكنهم يكذّبونك قولاً، عنادا وحسدا.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما جماعة من القرّاء، ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم. وذلك أن المشركين لا شكّ أنه كان منهم قوم يكذّبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعونه عما كان الله تعالى خصه به من النبوّة فكان بعضهم يقول: هو شاعر، وبعضهم يقول: هو كاهن، وبعضهم يقول: هو مجنون وينفي جميعهم أن يكون الذي أتاهم به من وحي السماء ومن تنزيل ربّ العالمين قولاً. وكان بعضهم قد تبين أمره وعلم صحة نبوّته، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدا له وبغيا. فالقارئ: «فإنهم لا يُكْذِبُونك» يعني به: أن الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوّتك وصدق قولك فيما تقول، يجحدون أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل الله ومن عند الله قولاً، وهم يعلمون أن ذلك من عند الله علما صحيحا مصيبٌ. لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم من هذه صفته. وفي قول الله تعالى في هذه السورة: "الّذِينَ آتَيْناهُمْ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كمَا يَعْرِفونَ أبْناءَهُمْ" أوضح الدليل على أنه قد كان فيهم العناد في جحود نبوّته صلى الله عليه وسلم، مع علم منهم به وصحة نبوّته. وكذلك القارئ: «فإنهم لا يُكَذّبُونَكَ»: يعني: أنهم لا يكذّبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عنادا لا جهلاً بنبوّته وصدق لهجته مصيبٌ. لما ذكرنا من أنه قد كان فيهم مَن هذه صفته...
"وَلَكِنّ الظّالِمِينَ بآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ": ولكن المشركين بالله بحجج الله وآي كتابه ورسوله يجحدون، فينكرون صحة ذلك كله. وكان السديّ يقول: الآيات في هذا الموضع معنيّ بها محمد صلى الله عليه وسلم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم الذي يحمله على الحزن يحتمل وجوها: يحتمل يحزنه افتراؤهم وكذبهم على الله، أو كان يحزن لتكذيب أقربائه وعشيرته إياه؛ فإن أكذبته عشيرته انتهى الخبر إلى الأبعدين، فيكذبونه، فيحزن لذلك، أو يحزن حزن طبع لأن طبع كل أحد، ينفر عن التكذيب، أو كان يحزن إشفاقا عليهم بما ينزل عليهم من العذاب بتكذيبهم إياه وأذاهم له كقوله تعالى: {فلعلك باخع نفسك} الآية [الكهف: 6، والشعراء: 3] وكقوله تعالى: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} [فاطر: 8]. وقوله تعالى: {فإنهم لا يكذبونك} اختلف في تلاوته: قرأ بعضهم بالتخفيف، وبعضهم بالتشديد والتثقيل؛ فمن قرأ بالتخفيف لا يكذبونك أي لا يجدونك كاذبا قط، ومن قرأ بالتثقيل {لا يكذبونك} أي لا ينسبونك إلى الكذب، ولا يكذبونك في نفسك. ويحتمل قوله: {لا يكذبونك} في السر، ولكن يقولون في ذلك في العلانية. والتكذيب هو أن يقال: إنك كاذب...
[قوله تعالى]: {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [أي عادة الظالمين] التكذيب بآيات الله. و {الظالمين} يحتمل وجهين: أحدهما: {الظالمين} على نعم الله؛ عادتهم التكذيب بآيات الله. [والثاني] {الظالمين} على أنفسهم لأنهم وضعوها في غير موضعها...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
قوله عز وجل: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} يعني من التكذيب. لك، والكفر بي. {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكذَّبونَكَ} فيه أربعة أوجه: أحدها: فإنهم لا يكذبونك بحجة، وإنما هو تكذيب بهت وعناد، فلا يحزنك، فإنه لا يضرك، قاله أبو صالح، وقتادة، والسدي. والثاني: فإنهم لا يكذبون قولك لعلمهم بصدقك، ولكن يكذبون ما جئت به، قاله ناجية بن كعب. والثالث: لا يكذبونك في السر لعلمهم بصدقك، ولكنهم يكذبونك في العلانية لعداوتهم لك، قاله الكلبي. والرابع: معناه أن تكذيبهم لقولك ليس بتكذيب لك، لأنك رسول مُبَلّغ، وإنما هو تكذيب لآياتي الدالة على صدقك والموجبة لقبول قولك، وقد بين ذلك بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي يكذبون...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
هذه تعزية للرسول -صلى الله عليه وسلم- وتسلية. أي قد نعلم ما قالوا فيك وهم إنما قالوا ذلك بسَببِنَا ولأَجْلِنا. ولقد كُنْتَ عظيمَ الجاه فيهم قبل أن أوقعنا عليكَ هذا الرقم؛ وكانوا يسمونك محمداً الأمين، فإنْ أصابَكَ ما يصيبك فَلأَجْلِ حديثنا، وغيرُ ضائعٍ لك هذا عندنا...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قَدْ} في {قد نعلم} بمعنى «ربما» الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته،... والهاء في {إِنَّهُ} ضمير الشأن {لَيَحْزُنُكَ} قرئ بفتح الياء وضمها. و {الذى يَقُولُونَ} هو قولهم: ساحر كذاب {لاَ يُكَذّبُونَكَ} قرئ بالتشديد والتخفيف من كذبه إذا جعله كاذباً في زعمه وأكذبه إذا وجده كاذباً. والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله، لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته، فاله عن حزنك لنفسك وإن هم كذبوك وأنت صادق، وليشغلك عن ذلك ما هو أهمّ وهو استعظامك بجحود آيات الله تعالى والاستهانة بكتابه...
{ولكن الظالمين} من إقامة الظاهر مقام المضمر، للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم، في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} أي: قد أحطنا علما بتكذيب قومك لك، وحزنك وتأسفك عليهم، {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] كما قال تعالى في الآية الأخرى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 7]
وقوله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي: لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي: ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم، كما قال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي [رضي الله عنه] قال قال: أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}
ورواه الحاكم، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كرر في هذه السورة أمره بمقاولتهم، وأطال في الحث على مجادلتهم، وختم بما يقتضي سلبهم العقل مع تكرير الإخبار بأن المقضي بخسارته منهم لا يؤمنون لآية من الآيات، وكان من المعلوم أنهم حال إسماعهم ما أمر به لا يسكتون لما عندهم من عظيم النخوة وشماخة الكبر وقوة الجرأة، وأنه لا جواب لهم إلا التبعة والبذاءة كما هو دأب المعاند المغلوب، وأن ذلك يحزنه صلى الله عليه وسلم لما جبل عليه من الحياء والشهامة والصيانة والنزاهة، كان الحال محتاجاً إلى التسلية فقال تعالى: {قد نعلم} والمراد بالمضارع وجود العلم من غير نظر إلى زمان، وعدل عن الماضي لئلا يظن الاختصاص به، فالمراد تحقق التجدد لتعلق العلم بتجدد الأقوال {إنه ليحزنك} أي يوقع على سبيل التجديد والاستمرار لك الحزن على ما فاتك من حالات الصفاء التي كدرها {الذي يقولون} أي من تكذيبك، فقد علمنا امتثالك لأوامرنا في إسماعهم ما يكرهون من تنزيهنا، وعلمنا ردهم عليك بما لا يرضيك، وعلمنا أنه يبلغ منك، فلا تحزن لأن من علم أن ربه يرضي المطيع له ويجزي عاصيه، وهو عالم بما ينال المطيع في طاعته لا ينبغي أن يحزن بل يسر، وهو كقوله تعالى في سورة يس (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} [الآية: 76] ولا شك أن الحزن عند وقوع ما يسوء من طبع البشر الذي لا يقدر على الانفكاك عنه، فالنهي عنه إنما هو نهي عما ينشأ عنه من الاسترسال المؤدي إلى الجزع المؤدي إلى عدم الصبر ونسيان ما يعزي، فهو من النهي عن السبب للمبالغة في النهي عن المسبب، وما أنسب ذكر ما يحزن بعد تقرير أن الدنيا لأهلها لعب ولهو وأن الآخرة خير للمتقين، ومن المعلوم أنهما ضدان، فلا تنال إحداهما إلاّ بضد ما للأخرى، فلا تنال الآخرة إلا بضد ما لأهل الدنيا من اللعب واللهو، وذلك هو الحزن الناشئ عن التقوى الحامل عليها الخوف كما روي في حديث قدسي "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي". ولما أخبره سبحانه بعلمه بذلك، سبب عنه قوله: {فإنهم} أي فلا يحزنك ذلك فإنهم {لا يكذبونك} بل أنت عندهم الأمين، وليكن علمنا بما تلقى منهم سبباً لزوال حزنك، وكذا إخبارنا لك بعدم تكذيبهم لك، بل أنت عندهم في نفس الأمر أمين غير متهم ولكنهم لشدة عنادهم ووقوفهم مع الحظوظ وعجزهم عن جواب يبرد غللهم ويشفي عللهم ينكرون آيات الله مع علمهم بحقيتها، فليخفف حزنك لنفسك ما انتهكوه من حرمة من أرسلك، والآية من الاحتباك: حذف من الجملة الأولى -إظهاراً لشرف النبي صلى الله عليه وسلم وأدباً معه- سبب الحزن، وهو التكذيب لدلالة الثانية عليه، ومن الثاني النهي عن المسبب لدلالة الأولى عليه...
وقال: {الظالمين} في موضع الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف، اي الذين كانوا في مثل الظلام {بآيات} أي بسبب آيات {الله} أي الملك الأكبر الذي له الكمال كله {يجحدون} قال أبو علي الفارسي في أول كتاب الحجة: أي يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك، وعلق باء الجر بالظالمين كما هي في قوله وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها} [الإسراء: 59] ونحوها، وقال ابن القطاع في كتاب الأفعال: جحد الشيء جحداً وجحوداً: أنكره وهو عالم به. هذا قصدهم غير أنه لا طريق لهم إلا إنكار الآيات إلا بالتكذيب، أو ما يؤول إليه، وأنت تعلم أن الذي أرسلك على كل شيء قدير، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير، فاقتضت قدرته وقهره وانتصاره لأهل ولايته وجبره أن يحل بأعدائهم سطوة تجل عن الوصف، واقتضت حكمته عدم المعاجلة بها تشريفاً لك وتكثيراً لأمتك...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
لا ننسى أن هذه السورة نزلت في دعوة مشركي مكة إلى الإسلام ومحاجتهم في التوحيد والنبوة والبعث، وأنها تكثر فيها حكاية أقوالهم في ذلك بلفظ (وقالوا.. وقالوا..) وتلقين الرسول صلى الله عليه وسلم الحجج بلفظ (قل.. قل..) حتى إن الأمر بالقول تكرر فيها عشرات من المرار. وقد سبق في الآيات التي فسرناها منها قوله تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك}... {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا..} وأمره تعالى بالرد على كل من القولين وإقامة الحجج عليهم في موضوعهما بما فيه بيان فقد بعضهم الاستعداد للإيمان – بعد هذا كله ذكر في هذه الآيات تأثير كفرهم في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وحزنه مما يقولون في نبوته، وسلاه عن ذلك ببيان سنته سبحانه وتعالى في الرسل مع أقوامهم، وإيئاسه من إيمان الجاحدين المعاندين منهم – وقد تكرر هذا المعنى في السور المكية –
{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} الحزن: ألم يلم بالنفس عند فقد محبوب، أو امتناع مرغوب، أو حدوث مكروه، وتجب معالجته بالتسلي والتأسي وإن كان بالحق للحق، كحزن الكاملين على إصرار الكافرين على الكفر، وقد أثبت تعالى لرسوله هذا الحزن إثباتا مؤكدا بتعلق علمه التنجيزي به في بعض الأحيان، أي عند ما كان يعرض له عليه السلام، وبإن مع ضمير الشأن وبالام، فكلمة « قد» على أصلها للتقليل، وقيل إنها هنا للتكثير، وإنما القلة والكثرة في متعلقات العلم لا العلم نفسه، وقد نهاه تعالى عن هذا النوع من الحزن بقوله في سورة يونس: {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا أنه هو السميع العليم} [يونس: 65] وفي سورة يس: {فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} [يس: 76] كما نهاه عن الحزن عليهم لعدم إيمانهم في سورة الحجر (15:88) والنحل (16: 127) والنمل (27: 72) وتقدم تفسير الحزن والمراد بالنهي عنه وأن لغة قريش فيه أن الثلاثي منه يتعدى بنفسه فيقال حزنه الأمر، وتميم تقول أحزنه، ومنها قراءة نافع (ليحزنك) بضم الياء وكسر الزاي.
والمراد بالقول الذي يحزنه منهم هو ما كانوا يقولونه فيه وفي دعوته ونبوته من تكذيب وطعن وتنفير للعرب، ومنه بالأولى ما حكاه عنهم في الآيات السابقة وسيأتي توضيحه. وروي عن أهل التفسير المأثور أن سبب نزول الآية أقوال خاصة من بعض رؤسائهم المستكبرين تنطبق على قوله في تتمة الآية {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (33)} أي فإنهم لا يجدونك كاذبا ولا يعتقدون أنك كذبت على الله فيما جئت به – وهم لم يجربوا عليك كذبا على أحد – ولكنهم يجحدون بالآيات الدالة على صدقك بإنكارها بألسنتهم فقط كما جحد قوم فرعون من قبلهم بآيات الله لأخيك موسى {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14].
فالجحود كما قال الراغب: نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه. يقال جحد جحودا وجحدا. اه وعبارة اللسان الجحد والجحود ضد الإقرار كالإنكار. ثم نقل قول الجوهري فيه أنه الإنكار مع العلم. ويتعدى بنفسه وبالباء فيقال جحده وجحد به.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: « يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} أي قد أحطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك عليهم كقوله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} [فاطر: 8] كما قال تعالى في الآية الأخرى {لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين} [الشعراء: 3] {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} [الكهف: 6] وقوله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33] أي لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون، أي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم كما قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به. فأنزل الله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} ورواه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة، حدثنا بشر بن المبشر الواسطي عن سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه فقال له رجل ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟ فقال: والله إني لأعلم إنه لنبي ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟ وتلا أبو يزيد {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} وقال أبو صالح وقتادة: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون.
وذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هو وأبو سفيان صخر بن حرب والأخنس بن شريق ولا يشعر أحد منهم بالآخر: فاستمعوها إلى الصباح، فلما هجم الصبح تفرقوا فجمعتهم الطريق، فقال كل منهم للآخر ما جاء به، ثم تعاهدوا أن يعودوا لما يخافون من علم شبان قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظنا أن صاحبيه لا يجيآن لما سبق من العهود، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق فتلاوموا ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، فلما كانت الليلة الثالثة جاءوا أيضا فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: يا أبا ثعلبة! والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال ماذا سمعت؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا 159، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه.
« وروى ابن جرير من طريق أسباط عن السدي في قوله: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة إن محمدا ابن أختكم فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته فإنه إن كان نبيا لم تقاتلونه اليوم؟ وإن كان كاذبا فأنتم أحق من كف عن ابن أخته، قفوا ههنا حتى ألقى أبا الحكم فإن غلب محمد رجعتم سالمين، وإن غلب محمد فإن قومكم لا يصنعون بكم شيئا فيومئذ سمي الأخنس، وكان اسمه أبي، فالتقى الأخنس وأبو جهل فخلا الأخنس بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس ههنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا؟ فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} فآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم» اه. وما ذكر سببا لنزول الآية يصح أن يكون سببا لنزولها في ضمن السورة ولا يصح نص في نزولها منفردة، وإلا فهو من قبيل التفسير كخبر الأخنس مع أبي جهل يوم بدر، وذلك بعد الهجرة قطعا والسورة مكية قطعا ولم يستثن أحد هذه الآية فيما استثني.
ونقول إن في (يكذبونك) قراءتين – قراءة نافع والكسائي بضم الياء وتخفيف الذال من أكذبه أي وجده كاذبا أو نسبه إلى رواية الكذب بأن قال إن ما جاء به كذب وإن لم يكن هو الذي افتراه بأن كان ناقلا له مصدقا به. وقراءة الجمهور بتشديد الذال من التكذيب وهو الرمي بالكذب بمعنى إنشائه وابتدائه وبمعنى نقله وروايته. وبهذا نجمع بين قول من قال إن الصيغتين بمعنى واحد ومن قال إن معناهما مختلف. قال ثعلب: أكذبه وكذبه بمعنى، وقد يكون « أكذبه» بمعنى بين كذبه أو حمله على الكذب وبمعنى وجده كاذبا، اه قال في اللسان: وكان الكسائي يحتج لهذه القراءة (أي قراءته) بأن العرب تقول كذبت الرجل إذا نسبته إلى الكذب، وأكذبته إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب، قال ابن الأنباري ويمكن أن تكون « فإنهم لا يكذبونك» على معنى لا يجدونك كذابا عند البحث والتدبر والتفتيش اه. فعلم من هذه النقول أن الإكذاب يشترك مع التكذيب في معنى رواية الكذب، وينفرد التكذيب بمعنى الرمي بافتراء الكذب إما مخاطبة كأن يقول له كذبت فيما قلت، وإما بإسناده إليه في غيبته كأن يقول كذب فلان وافترى، وينفرد الإكذاب بمعنى وجدان المحدث كاذبا فيما قاله بمعنى أن خبره غير مطابق للواقع، لا بمعنى أنه افتراه، وبمعنى الإخبار بذلك أي بعدم مطابقة الخبر للواقع.
فعلى هذا يكون المراد من مجموع القراءتين أن أولئك الكفار لا ينسبون النبي صلى الله عليه وسلم إلى افتراء الكذب ولا يجدونه كاذبا في خبر يخبر به بأن يتبين أنه غير مطابق للواقع، لأن جميع ما يخبر به من أمر المستقبل كنصر الله تعالى له وإظهار دينه وخذل أعدائه وقهرهم سيكون كما أخبر، وكذلك كان. وإنما يدعون أن ما جاء به أخبار الغيب – وأهمها البعث والجزاء – كذب غير مطابق للواقع. ولا يقتضي ذلك أن يكون هو الذي افتراه، فإن التكذيب قد يكون للكلام دون المتكلم الناقل، ولكن هذا النفي يصدق على بعض المشركين لا على جميعهم كما يأتي.
وذكر الرازي في نفي التكذيب والإكذاب مع إثبات الجحود أربعة أوجه 1- أنهم ما كانوا يكذبونه صلى الله عليه وسلم في السر ولكنهم يكذبونه في العلانية ويجحدون القرآن والنبوة 2- أنهم لا يقولون له: إنك كذاب لأنهم جربوه الدهر الطويل فلم يكذب فيه قط، ولكنهم جحدوا صحة النبوة والرسالة واعتقدوا أنه تخيل أنه نبي وصدق ما تخيله فدعا إليه 3- أنهم لما أصروا على التكذيب مع ظهور المعجزات القاهرة على وفق دعواه، كان تكذيبهم تكذيبا لآيات الله المؤيدة له أو تكذيبا له سبحانه وتعالى قال: فالله تعالى قال له إن القوم ما كذبوك ولكن كذبوني: أي على معنى أن تكذيب الرسول كتكذيب المرسل المصدق له بتأييده. وذكر أنه على حد {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} [الفتح: 10] ومثله {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] 4- قال وهو كلام خطر بالبال – إن المراد إنهم لا يخصونك بهذا التكذيب بل ينكرون دلالة المعجزة على الصدق مطلقا ويقولون في كل معجزة إنها سحر « فكان التقدير إنهم لا يكذبونك على التعيين ولكن يكذبون جميع الأنبياء والرسل» اه ملخصا بالمعنى غالبا وفيه قصور. وسكت عن أقوال أخرى قديمة (منها) قول بعضهم فإنهم لا يكذبونك فيما وافق كتبهم وإن كذبوك في غيره، وهو أضعف ما قيل لأن الكلام في مشركي مكة ولا كتب عندهم، ومنها قول بعضهم فإنهم لا يتفقون على تكذيب ولكن يكذبك الظالمون منهم الذين يجحدون بآيات الله (ومنها) أن المعنى فإنهم لا يعتقدون كذبك ولا يتهمونك به ولكنهم يجحدون بالآيات لظلمهم لأنفسهم. وهذا أقواها كما ترى.
تقدم أن المختار عندنا هو أن المراد هنا بما يحزنه صلى الله عليه وسلم من قولهم ما تقدم في أوائل السورة في قوله تعالى حكاية عنهم {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} [الأنعام: 8] وما في معناه. ويوضحه ما روي في موضوع الآية ونزولها – وهو المتبادر من النظم الكريم – فالكلام إذا في طائفة الجاحدين كبرا وعنادا كأبي جهل والأخنس وأضرابهما، وهؤلاء لم يكونوا يعتقدون كذب النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يجدوه كاذبا في خبر يخبرهم به في المستقبل كما أنهم لم يجدوه كاذبا في يوم من أيامه الماضية، بل عصمته من الكذب في المستقبل أظهر وأولى، ولكنهم لظلمهم أنفسهم بالكبر والاستعلاء يجحدون بآيات الله الدالة على نبوته ورسالته بمثل زعمهم أن القرآن نفسه سحر يؤثر، وهم لم يكونوا يعتقدون ذلك وإنما يريدون به صد العرب عنه. وأما إذا جعلت الآية عامة وأريد بما يحزنه صلى الله عليه وسلم ما كان يقوله المشركون من ضروب الأقوال في إنكار التوحيد والبعث والنبوة وسائر مسائل الدين، ففي هذه الحالة يظهر اتجاه غير واحد من تلك الأقوال المنقولة بصدق بعضها على أناس وبعضها على آخرين، فإن نفي التكذيب إنما يصدق على بعضهم كالجاحدين المعاندين دون جمهور الضالين الجاهلين، وإنما كان الجحود من الرؤساء المستكبرين ظلما وعنادا على علم، ومن المقلدين جهلا واحتقارا منهم لأنفسهم بترك النظر، وغلوا في ثقتهم بكبرائهم وآبائهم. ولا شك في أن بعض المشركين كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم تكذيب الافتراء عن اعتقاد أو غير اعتقاد، قال تعالى في سورة الفرقان: {وقالوا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} [الفرقان:4] إلى قوله: {أصيلا} ولم تكن كل العرب تعرف من سيرته وصدقه صلى الله عليه وسلم ما كان يعرفه معاشروه من قريش.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
في هذه الموجة من موجات السياق المتدفق في السورة؛ يتجه الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيب الله -سبحانه- خاطره في أوله، مما يلاقيه من تكذيب قومه له، وهو الصادق الأمين، فإنهم لا يظنون به الكذب، إنما هم مصرون على الجحود بآيات الله وعدم الاعتراف بها وعدم الإيمان، لأمر آخر غير ظنهم به الكذب! كما يواسيه بما وقع لإخوانه الرسل قبله من التكذيب والأذى، وما وقع منهم من الصبر والاحتمال، ثم ما انتهى إليه أمرهم من نصر الله لهم. وفق سنته التي لا تتبدل.. حتى إذا انتهى من المواساة والتسرية والتطمين، التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقرر له الحقيقية الكبرى في شأن هذه الدعوة.. إنها تجري بقدر الله وفق سنته، وليس للداعية فيها إلا التبليغ والبيان.. إن الله هو الذي يتصرف في الأمر كله، فليس على الداعية إلا أن يمضي وفق هذا الأمر، لا يستعجل خطوة ولا يقترح على الله شيئا. حتى ولو كان هو النبي الرسول! ولا يستمع إلى مقترحات المكذبين -ولا الناس عامة- في منهج الدعوة، ولا في اقتراح براهين وآيات معينة عليه.. والأحياء الذين يسمعون سيستجيبون، أما موتى القلوب فهم موتى لا يستجيبون، والأمر إلى الله إن شاء أحياهم وإن شاء أبقاهم موتى حتى يرجعوا إليه يوم القيامة. وهم يطلبون آية خارقة على نحو ما كان يقع للأقوام من قبلهم، والله قادر على أن ينزل آية. ولكنه سبحانه لا يريد -لحكمة يراها- فإذا كبر على الرسول إعراضهم فليحاول هو إذن بجهده البشري أن يأتيهم بآية!.. إن الله -سبحانه- هو خالق الخلائق جميعا، وعنده أسرار خلقهم، وحكمة اختلاف خصائصهم وطباعهم. وهو يترك المكذبين من البشر صما وبكما في الظلمات، ويضل من يشاء ويهدي من يشاء وفق ما يعلمه من حكمة الخلق والتنويع.. (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون. فإنهم لا يكذبونك. ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) إن مشركي العرب في جاهليتهم -وخاصة تلك الطبقة التي كانت تتصدى للدعوة من قريش- لم يكونوا يشكون في صدق محمد صلى الله عليه وسلم فلقد عرفوه صادقا أمينا، ولم يعلموا عنه كذبة واحدة في حياته الطويلة بينهم قبل الرسالة، كذلك لم تكن تلك الطبقة التي تتزعم المعارضة لدعوته تشك في صدق رسالته، وفي أن هذا القرآن ليس من كلام البشر، ولا يملك البشر أن يأتوا بمثله ولكنهم -على الرغم من ذلك- كانوا يرفضون إظهار التصديق، ويرفضون الدخول في الدين الجديد! إنهم لم يرفضوا لأنهم يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لأن في دعوته خطرا على نفوذهم ومكانتهم.. وهذا هو السبب الذي من أجله قرروا الجحود بآيات الله، والبقاء على الشرك الذي كانوا فيه.. والأخبار التي تقرر الأسباب الحقيقية لموقف قريش هذا وحقيقة ظنهم بهذا القرآن كثيرة... (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون. فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) والظالمون في هذا الموضع هم المشركون. كما يغلب في التعبير القرآني الكريم...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وما دام الحديث جاريا عن كفر الكافرين، وتكذيب المشركين، وتعويق المعوقين، وعناد المعاندين، فإن السياق مناسب كل المناسبة لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولتثبيت فؤاده على الحق، ولمواساته على ما يصيبه من أذى بالغ في سبيل الله، وهكذا يتجه الخطاب الإلهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة فيقول {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}..وهكذا يكشف الحق سبحانه وتعالى عن حقيقة كبرى، ألا وهي أن خصوم الرسالة المحمدية لا يعتقدون أن الرسول كاذب غير صادق، ولا يعتقدون أن الرسالة كذب لا حق، بل إنهم ليؤمنون بصدق الرسالة في قرارة أنفسهم، ولكنهم يتظاهرون بتكذيبه وتكذيبها جحودا وعنادا {حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}.
لقد شرح الحق حال الكفار وموقفهم في الآخرة حين يقفون على النار، ويقفون أمام الله، ومن بعد ذلك يوجه الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي تقع عليه مشقة البلاغ من الله لهؤلاء الكفار، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حزينا لأن قومه لا يذوقون حلاوة الإيمان، وهو الرسول الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم (128)} (سورة التوبة). وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على أن يكون كل الناس مؤمنين، ويتألم لمقاومة بعض الناس دعوة الإيمان، إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصا على الكافر ليؤمن على الرغم من أن مهمة الرسول هي البلاغ فقط، ولو شاء الحق أن يجعل الناس كلهم لأنزل عليهم آية تجعلهم جميعا مؤمنين: {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين (3) إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين (4)} (سورة الشعراء)...
{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (33)} (سورة الأنعام). إنهم ظالمون، لأن الظلم نقل حق إلى غير مستحقه. وأبشع أنواع الظلم هو الشرك؛ لأن الحق سبحانه وتعالى هو المستحق وحده للعبادة، والظلم الأخف وطأة هو أن ينقل الإنسان حقا مكتسبا أو موهوبا إلى غير صاحبه وهذا ظلم موجود بين الناس. وقد نقل المشركون حق الذات الإلهية إلى غير مستحقها من أوثان وأصنام، أما المؤمنون فهم الذين اعترفوا بحق الذات الإلهية في العبادة...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
المصلحون يواجهون الصعاب دائماً:
لا شك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نقاشاته المنطقية ومحاوراته الفكرية مع المشركين المعاندين المتصلبين، كان يواجه منهم المعاندة واللجاجة والتصلب والتعنت، بل كانوا يرشقونه بتهمهم، ولذلك كله كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشعر بالغم والحزن، والله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن يواسي النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصبّره على ذلك، لكي يواصل مسيرته بقلب أقوى وجأش أربط، كما جاء في هذه الآية: (قد نعلم أنّه ليحزنك الذي يقولون)، فاعلم أنّهم لا ينكرونك أنت، بل هم ينكرون آيات الله، ولا يكذبونك بل يكذبون الله: (فأنّهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)...