فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (33)

{ قَدْ } في { قد نعلم } بمعنى «ربما » الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته ، كقوله :

أَخُو ثِقَةٍ لاَ تُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَه *** وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهْ

والهاء في { إِنَّهُ } ضمير الشأن { لَيَحْزُنُكَ } قرئ بفتح الياء وضمها . و { الذى يَقُولُونَ } هو قولهم : ساحر كذاب { لاَ يُكَذّبُونَكَ } قرئ بالتشديد والتخفيف من كذبه إذا جعله كاذباً في زعمه وأكذبه إذا وجده كاذباً . والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله ، لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته ، فاله عن حزنك لنفسك وإن هم كذبوك وأنت صادق ، وليشغلك عن ذلك ما هو أهمّ وهو استعظامك بجحود آيات الله تعالى والاستهانة بكتابه . ونحوه قول السيد لغلامه -إذا أهانه بعض الناس - إنهم لم يهينوك وإنما أهانوني . وفي هذه الطريقة قوله تعالى : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } [ الفتح : 10 ] وقيل : فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم ، ولكنهم يجحدون بألسنتهم . وقيل : فإنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق ، ولكنهم يجحدون بآيات الله . وعن ابن عباس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الأمين فعرفوا أنه لا يكذب في شيء ، ولكنهم كانوا يجحدون . وكان أبو جهل يقول : ما نكذبك لأنك عندنا صادق ، وإنما نكذب ما جئتنا به . وروي : أنّ الأخنس بن شريق قال لأبي جهل : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد ، أصادق هو أم كاذب ، فإنه ليس عندنا أحد غيرنا ؟ فقال له : والله إن محمداً لصادق وما كذب قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوّة ، فماذا يكون لسائر قريش ، فنزلت ، وقوله : { ولكن الظالمين } من إقامة الظاهر مقام المضمر ، للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم .