فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (33)

{ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون 33 } .

{ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } هذا الكلام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما ناله من الغم والحزن بتكذيب الكفار له ، ودخول قد للتكثير فإنها قد تأتي لإفادته كما تأتي رب . والضمير في أنه للشأن .

{ فإنهم } الفاء للتعلل { لا يكذبونك } في السر لعلمهم أنك صادق . وقرئ مشددا ومخففا ، ومعنى المشدد لا ينسبونك إلى الكذب ولا يردون عليك ما قلته في السر ، لأنهم عرفوا أنك صادق ، ومعنى المخفف أنهم لا يجدونك كذابا يقال أكذبته وجدته كذابا وأبخلته وجدته بخيلا ، وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ، وكذبته أخبرت أنه كاذب . وقال الزجاج : كذبته إذا قلت له كذبت ، وأكذبته إذا أردت أن ما جاء به كذب .

والمعنى أن تكذيبهم ليس يرجع إليك فإنهم يعترفون لك بالصدق ولكن تكذيبهم راجع إلى ما جئت به ولهذا قال : { ولكن الظالمين } وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التوبيخ لهم والإزراء عليهم ، ووصفهم بالظلم لبيان أن هذا الذي وقع منهم ظلم بين { بآيات الله } أي القرآن { يجحدون } في العلانية كما قال تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } قال قتادة : يعلمون أنك رسول الله ويجحدون .

وعن أبي يزيد المدني أن أبا جهل قال : والله إني لأعلم أنه صادق ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف ، والجحد والجحود نفي ما في القلب إثباته أو إثبات ما في القلب نفيه ، وقيل الجحد إنكار المعرفة مرادفا للنفي من كل وجه .