الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (33)

قوله سبحانه : { قَدْ نَعْلَمُ . . . } [ الأنعام :33 ] .

{ نَعْلَم } : إذا كانت من اللَّه تعالى تَتَضَمَّنُ استمرار العَلْمِ وقِدَمَهُ ، فهي تعمُّ الماضي ، والحال ، والاستقبال .

قلت : ونحو هذا لأبي حَيَّانَ قال : وعبر هنا بالمُضَارِعِ ، لأنَّ المُرَادَ الاتصاف بالعلم ، واستمراره ، ولم يلحظ فيه الزمان ، كقولهم : فلان يعطي ويمنع ، انتهى .

وقرأ نافع وحده ( لَيُحْزِنُكَ ) من أَحْزَنَ ، وقرأ الباقون : ( لَيَحْزُنْكَ ) من حَزَنْتُ الرجلَ .

وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ( لاَ يُكَذِّبُونَكَ ) بتشديد الذال ، وفتح الكاف ، وقرأها ابن عباس ، ورَدَّهَا على قارئٍ قرأ عليه ( يُكذبونك ) بضم الياء ، وقال : إنهم كانوا يسمونه الأَمِينَ .

وقرأ نافع ، والكسائي بسكون الكاف ، وتخفيف الذال ، وهما قراءتان مشهورتان ، صحيحتان ، وهما بمعنى واحد ، فمعنى : ( لا يكذبونك ) ، أي : لا يعتقدون كذبك ، وإنهم يعلمون صِدْقَكَ ، ولكنهم يَجْحَدُونَ عنَاداً وظُلْماً ، وهذا تأويل قتادة ، والسُّدي ، وغيرهما .

وحكي عن طائفة من الكُفَّارِ أنها كانت تَقُولُ : إنا لنعلم أن محمداً صادق ، ولكن إذا آمنَّا به فضلنا بنو هاشم بالنبوءة ، فنحن لا نُؤْمِنُ به أَبَداً ، رويت هذه المَقَالَةِ عن أَبِي جَهْلٍ ، ومن جرى مجراه .

وأسْنَدَ الطَّبَريُّ : أن جِبْريلَ وجد النبي صلى الله عليه وسلم حَزِيناً فسأله ، فقال : ( كذبني هؤلاء ) ، فقَال : إنهم لا يكذبونك بل يعلمون أَنَّكَ صَادِقٌ { ولكن الظالمين بآيات اللَّه يَجْحَدُونَ } وجَحْدُ العِنَادِ جائز الوُقُوعِ ، بمقتضى النظر ، وظواهر القرآن تعطيه ، و{ يَجْحَدُونَ } : حِقِيقِتُهُ في كلام العرب : الإنْكارُ بعد معرفة ، وهو ضد الإقرار .