قوله تعالى : { يوم يرون الملائكة } عند الموت . وقيل : في القيامة . { لا بشرى يومئذ للمجرمين } للكافرين ، وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين يوم القيامة ، ويقولون للكفار : لا بشرى لكم ، هكذا قال عطية ، وقال بعضهم : معناه أنه لا بشرى يوم القيامة للمجرمين ، أي : لا بشارة لهم بالجنة ، كما يبشر المؤمنون . { ويقولون حجراً محجوراً } قال عطاء عن ابن عباس : تقول الملائكة حراماً محرماً أن يدخل الجنة ، إلا من قال لا إله إلا الله . وقال مقاتل : إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة حراماً محرماً عليكم أن يكون لكم البشرى . وقال بعضهم : هذا قول الكفار للملائكة . قال ابن جريج : كانت العرب إذا نزلت بهم شدة ورأوا ما يكرهون ، قالوا :حجراً محجوراً ، فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة . قال مجاهد يعني : عوذاً معاذاً ، يستعيذون به من الملائكة .
{ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ } التي اقترحوا نزولها { لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ } وذلك أنهم لا يرونها مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم إلا لعقوبتهم وحلول البأس بهم ، فأول ذلك عند الموت إذا تنزلت عليهم الملائكة قال الله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } ثم في القبر حيث يأتيهم منكر ونكير فيسألهم عن ربهم ونبيهم ودينهم فلا يجيبون جوابا ينجيهم فيحلون بهم النقمة ، وتزول عنهم بهم الرحمة ، ثم يوم القيامة حين تسوقهم الملائكة إلى النار ثم يسلمونهم لخزنة جهنم الذين يتولون عذابهم ويباشرون عقابهم ، فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي طلبوه إن استمروا على إجرامهم لا بد أن يروه ويلقوه ، وحينئذ يتعوذون من الملائكة ويفرون ولكن لا مفر لهم .
{ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }
{ يوم يرون الملائكة } ملائكة الموت أو العذاب ، و{ يوم } نصب باذكر أو بما دل عليه { لا بشرى يومئذ للمجرمين } فإنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها ، و { يومئذ } تكرير أو خبر و { للمجرمين } تبيين أو خبر ثان أو ظرف لما يتعلق به اللام ، أول { بشرى } إن قدرت منونة غير مبينة مع { لا } فإنها لا تعمل ، ولل { مجرمين } إما عام يتناول حكمه حكمهم من طريق البرهان ولا يلزم عن نفي البشرى لعامة المجرمين حينئذ نفي البشرى بالعفو والشفاعة في وقت آخر ، وإما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلا على جرمهم وإشعارا بما و المانع للبشرى والموجب لما يقابلها . { و ويقولون حجرا محجورا } عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ ، هذه الكلمة استعاذة وطلبا من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه ، أو تقولها الملائكة بمعنى حراما عليكم الجنة أو البشرى . وقرىء { حُجرا } بالضم وأصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقَعدَك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه ولا يظهر ناصبه ، ووصفه بمحجورا للتأكيد كقولهم : موت مائت .
استئناف ثان جواب عن مقالتهم ، فبعد إبداء التعجيب منها عُقّب بوعيد لهم ، فيه حصول بعض ما طلبوا حصوله الآن ، أي هم سيرون الملائكة ولكنها رؤية تسوءهم حين يرون زبانية العذاب يسوقونهم إلى النار ، ففي هذا الاستئناف تلميح وتهكم بهم لأن ابتداءَه مطمع بالاستجابة وآخرَه مؤيس بالوعيد ، فالكلام جرى على طريقة الغَيبة لأنه حكاية عن تورّكهم ، والمقصود إبلاغه لهم حين يَسمعونه . وانتصب { يوم يرون } على الظرفية لِ { لاَ بُشرى } . وتقديم الظرف للاهتمام به لإثارة الطمع وللتشويق إلى تعيين إبانه حتى إذا ورد ما فيه خيبة طمعهم كان له وقع الكآبة على نفوسهم حينما يسمعونه . وإعادة { يومئذٍ } تأكيد .
وذِكر وصف المجرمين إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بأنهم مجرمون بعد أن وصفوا بالكفر والظلم واليأس من لقاء الله . وانتفاءُ البشرى مستعمل في إثبات ضده وهو الحزن .
و ( حجر ) بكسر الحاء وسكون الجيم ، ويقال بفتح الحاء وضمها على الندرة فهي كلمة يقولونها عند رؤية ما يُخاف من إصابته بمنزلة الاستعاذة . قال الخليل وأبو عبيدة : كان الرجل إذا رأى الرجل الذي يَخاف منه أن يقتله في الأشهر الحرم يقول له : { حِجْراً محجوراً } ، أي حَرام قتلي ، وهي عوذة .
و ( حجر ) مصدر : حجَره ، إذا منعه ، قال تعالى { وحرث حِجر } [ الأنعام : 138 ] ، وهو في هذا الاستعمال لازم النصب على المفعول المطلق المنصوب بفعل مضمر مثل : معاذ الله ، وأمّا رفعه في قول الرّاجز :
قالت فيها حيدة وذُعْر *** عَوْذ بربي منكمُ وحُجْر
فهو تصرف فيه ، ولعله عند سيبويه ضرورة لأنه لم يذكر الرفع في استعمال هذه الكلمات في هذا الغرض وهو الذي حكاه الراجز . وأمّا رفع ( حجر ) في غير حالة استعماله للتعوذ فلا مانع منه لأنه الأصل ، وقد جاء في القرآن منصوباً لا على المفعولية المطلقة في قوله تعالى : { وجعل بينهما برزخاً وحِجْراً محجوراً } [ الفرقان : 53 ] ، فإنه معطوف على مفعول { جعل } وسننبه عليه قريباً .
و { محجوراً } وصف ل { حجراً } مشتق من مادته للدلالة على تمكن المعنى المشتق منه كما قالوا : ليل أليل ، وذيل ذائل ، وشِعْر شاعر .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: يوم يرى هؤلاء الذين قالوا:"لَولاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلاَئِكَةُ أوْ نَرَى رَبّنَا" بتصديق محمد الملائكة، فلا بشرى لهم يومئذٍ بخير.
يقولُونَ "حِجْرا مَحْجُورا "يعني أن الملائكة يقولون للمجرمين حجرا محجورا، حراما عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله... ومنه قولهم: حَجَر القاضي على فلان، وحَجَر فلان على أهله، ومنه حِجر الكعبة، لأنه لا يدخل إليه في الطواف، وإنما يطاف من ورائه...
واختلف أهل التأويل في المخبر عنهم بقوله "وَيَقُولُونَ حِجْرا محْجُورا"، ومن قائلوه؟ فقال بعضهم: قائلو ذلك الملائكة للمجرمين نحو الذي قلنا فيه... وقال آخرون: ذلك خبر من الله عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة... عن ابن جُرَيج "يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ للْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرا مَحْجُورا" قال ابن جُرَيج: كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا: حجرا، فقالوا حين عاينوا الملائكة. قال ابن جُرَيج: قال مجاهد: حِجْرا: عوذا، يستعيذون من الملائكة.
وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك من أجل أن الحِجْر هو الحرام، فمعلوم أن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر أن البُشرى عليهم حرام. وأما الاستعاذة فإنها الاستجارة، وليست بتحريم. ومعلوم أن الكفار لا يقولون للملائكة حرام عليكم، فيوجه الكلام إلى أن ذلك خبر عن قيل المجرمين للملائكة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
حرام البشرى للمجرمين، أو حرام عليهم الجنة أن يدخلوها. والحجر على هذا القول، هو الحرام.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
اقترحوا شيئين: رؤيةَ الملائكةِ ورؤيةَ اللَّهِ، فأخبر أنهم يرون الملائكة عند التوفيِّ، ولكن تقول الملائكةُ لهم: {إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ!}. {حِجْراً مَّحْجُوراً}: أي حراماً ممنوعاً يعني رؤية الله عنهم، فهذا يعود إلى ما جرى ذكره، وحَمْلُه على ذلك أَوْلى من حَمْلِه على الجنة، ولم يجر لها هنا ذكْرٌ.
ثم فيه بشارة للمؤمنين بالرؤية لأنهم يرون الملائكة ويبشرونهم بالجنة، قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ} [فصلت:30] فكما لا تكون للكفار بشارة ٌ بالجنة وتكون للمؤمنين لا تكون الرؤيةُ للكفار وتكون للمؤمنين.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم، بل يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ لهم، وذلك يَصْدُق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار وغضب الجبار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه: اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سَموم وحَميم، وظلِّ من يحموم. فتأبى الخروج وتتفرق في البدن، فيضربونه، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50]. وقال: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} أي: بالضرب، {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93]؛ ولهذا قال في هذه الآية الكريمة: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ}، وهذا بخلاف حال المؤمنين في وقت احتضارهم، فإنهم يبشرون بالخيرات، وحصول المسرات. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30 -31].
وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب: أن الملائكة تقول لروح المؤمن:"اخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب، كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان"...
وقال آخرون: بل المراد بقوله: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} يعني: يوم القيامة. قاله مجاهد، والضحاك؛ وغيرهما. ولا منافاة بين هذا وبين ما تقدم، فإن الملائكة في هذين اليومين يوم الممات ويوم المعاد تتجلى للمؤمنين وللكافرين، فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان، وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران، فلا بشرى يومئذ للمجرمين.
{وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} أي: وتقول الملائكة للكافرين حَرَام محرم عليكم الفلاح اليوم. وأصل "الحجر ": المنع، ومنه يقال: حَجَر القاضي على فلان، إذا منعه التصرف إما لسفَه، أو فَلَس، أو صغر، أو نحو ذلك. ومنه سمي "الحجْر "عند البيت الحرام؛ لأنه يمنع الطُوَّاف أن يطوفوا فيه، وإنما يطاف من ورائه. ومنه يقال للعقل "حجر"؛ لأنه يمنع صاحبه عن تعاطي ما لا يليق.
والغرض أن الضمير في قوله: {وَيَقُولُونَ} عائد على الملائكة. هذا قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطية العوفي، وعطاء الخراساني، وخُصَيف، وغير واحد. واختاره ابن جرير. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو نعيم، حدثنا موسى- يعني ابن قيس -عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} قال: حراما مُحَرّما أن يُبَشَّر بما يبشر به المتقون. وقد حكى ابن جرير، عن ابن جُرَيْج أنه قال: ذلك من كلام المشركين: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ}، [أي: يتعوذون من الملائكة؛ وذلك أن العرب كانوا إذا نزل بأحدهم نازلة أو شدة] يقولون: {حِجْرًا مَحْجُورًا}. وهذا القول- وإن كان له مأخذ ووجه -ولكنه بالنسبة إلى السياق في الآية بعيد، لا سيما قد نص الجمهور على خلافه. ولكن قد روى ابنُ أبي نَجِيح، عن مجاهد؛ أنه قال في قوله: {حِجْرًا مَحْجُورًا} أي: عوذاً معاذاً. فيحتمل أنه أراد ما ذكره ابن جريج. ولكن في رواية ابن أبي حاتم، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد أنه قال: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [أي]: عوذا معاذا، الملائكة تقُوله. فالله أعلم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم بين لهم حالهم عند بعض ما طلبوا فقال: {يوم} وناصبه ما دل عليه "لا بشرى "{يرون الملائكة} أي يوم القيامة أو قبله في الغزوات أو عند الاحتضار {لا بشرى} أي من البِشر أصلاً {يومئذ للمجرمين} أي لأحد ممن قطع ما أمر الله به أن يوصل، ولبيان ذلك أظهر موضع الإضمار {ويقولون} أي في ذلك الوقت: {حجراً محجوراً} أي نطلب منعاً منكم ممنوعاً، أي مبالغاً في مانعيته، ويجوز أن يراد بالمفعول الفاعل، والمعنى واحد في أنهم يريدون أن يكون بينهم وبين الملائكة مانع عظيم يمنعهم منهم؛ قال أبو عبيدة: وهذا عوذة العرب، يقوله من خاف آخَرَ في الحرم أو في شهر حرامٍِ إذا لقيه وبينهما برة وقال سيبويه: يريد البراءة من الأمر ويبعد عن نفسه أمراً، فكأنه قال: أُحرّم ذلك حراماً محرماً، ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل: أتفعل كذا وكذا؟ فيقول: حجراً أي ستراً وبراءة من هذا، فهذا ينتصب على إضمار الفعل. وعبر بالمضارع إشارة إلى دوام تجديدهم لهذا القول بعد مفاجأتهم به حال رؤيتهم لهم، لعظيم روعتهم منهم، بخلاف ما بعده فإنه عبر فيه بالماضي إشارة إلى أنه كائن لا محالة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يسخر منهم بصدق وحق، إذ يطلعهم على الهول الذي ينتظرهم يوم يرون الملائكة -ورؤية الملائكة هي أقل الطلبين تطاولا- فإنهم لا يرون الملائكة إلا في يوم عصيب هائل، ينتظرهم فيه العذاب الذي لا طاقة لهم به، ولا نجاة لهم منه. ذلك هو يوم الحساب والعقاب:
(يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين. ويقولون: حجرا محجورا. وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)..
يوم يتحقق اقتراحهم الذي اقترحوه: (يوم يرون الملائكة) يومئذ لا يبشر المجرمون ولكن يعذبون. فيالها من استجابة لما يقولون! يومئذ يقولون: (حجرا محجورا) أي حراما محرما. وهي جملة اتقاء للشر وللأعداء كانوا يقولونها استبعادا لأعدائهم وتحرزا من أذاهم. وهي تجري في ذلك اليوم على ألسنتهم بحكم العادة من الذهول حين يفاجأون. ولكن أين هم اليوم مما كانوا يقولون! إن الدعاء لا يعصمهم ولا يمنعهم:
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف ثان جواب عن مقالتهم، فبعد إبداء التعجيب منها عُقّب بوعيد لهم، فيه حصول بعض ما طلبوا حصوله الآن، أي هم سيرون الملائكة ولكنها رؤية تسوءهم حين يرون زبانية العذاب يسوقونهم إلى النار، ففي هذا الاستئناف تلميح وتهكم بهم لأن ابتداءَه مطمع بالاستجابة وآخرَه مؤيس بالوعيد، فالكلام جرى على طريقة الغَيبة لأنه حكاية عن تورّكهم، والمقصود إبلاغه لهم حين يَسمعونه...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
هو رد على تحدي الكافرين الذين لا يؤمنون بيوم الدين، وجواب على قولهم، مقترحين رؤية الملائكة ورؤية ربهم: {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} فبين الحق سبحانه وتعالى أن الذي سألوه من رؤية الملائكة سيحقق في الوقت المقدر له، وذلك يوم الممات ويوم المعاد، لكنهم سيلقون منهم ما يكرهون، وسيفاجأون بما لم يكونوا يتوقعون، وسيندمون بالغ الندم على رغبتهم في رؤيا الملائكة، إذ لا يخبرونهم عند رؤيتهم إلا بالخيبة والخسران، لا بالبشرى والرضوان، وسيعلنون إليهم أنهم "عن ربهم محجوبون "لأنهم أجرموا في حق الله، وأعلنوا الحرب على الله.