السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

ثم بين تعالى لهم حالهم عند بعض ما طلبوا بقوله تعالى : { يوم يرون الملائكة } أي : يوم القيامة ، وقال ابن عباس : عند الموت { لا بشرى } أي : من البشر أصلاً { يومئذٍ } وقوله تعالى : { للمجرمين } أي : الكافرين إما ظاهر في موضع ضمير ، وإما ؛ لأنه عام فقد تناولهم بعمومه بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة .

تنبيه : في نصب يوم أوجه : أحدها : أنه منصوب بإضمار فعل يدل عليه قوله تعالى : { لا بشرى } أي : يمنعون البشرى يوم يرون ، الثاني : باذكر فيكون مفعولاً به . الثالث : بيعذبون مقدراً ولا يجوز أن يعمل فيه نفس البشرى لوجهين : أحدهما : أنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ، والثاني : أنها منفية ب " لا " ، وما بعد " لا " لا يعمل فيما قبلها . وقوله : { ويقولون } أي : في ذلك الوقت { حجراً محجوراً } عطف على المدلول ويقول الكفرة لهم حينئذٍ : هذه الكلمة استعاذة وطلباً من الله تعالى أن يمنع لقاء الملائكة عنهم مع أنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه ، وهم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم ؛ لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون ، وقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو والشدة النازلة أو نحو ذلك : حجراً محجوراً يضعونها موضع الاستعاذة ، فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة . قال سيبويه : يقول الرجل للرجل : تفعل كذا وكذا فيقول : حجراً ، وهي من حجره إذا منعه ؛ لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه عنه فلا يلحقه ، وكأن المعنى : أسأل الله أن يمنع ذلك منعاً ويحجره حجراً ، وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله ، وقيل : إذا خرج الكفار من قبورهم تقول الملائكة لهم : حرام محرم عليكم أن تكون لكم البشرى .