الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

{ يَوْمَ يَرَوْنَ } منصوب بأحد شيئين : إما بما دلّ عليه { لاَ بشرى } أي : يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها . ويومئذ للتكرير ، وإما بإضمار «اذكر » أي : اذكر يوم يرون الملائكة ثم قال : { لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ } . وقوله ( للمجرمين ) : إما ظاهر في موضع ضمير وإما لأنه عام فقد تناولهم بعمومه { حِجْراً مَّحْجُوراً } ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو : معاذ الله ، وقعدك الله ، وعمرك الله . وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجومِ نازلة ، أو نحو ذلك . يضعونها موضع الاستعاذة . قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا ، فيقول : حجراً ، وهي من حجره إذا منعه ؛ لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه فكان المعنى : أسأل الله أن يمنع ذلك منعاً ويحجره حجراً . ومجيئه على فِعل أو فُعل في قراءة الحسن ، تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد ، كما كان قعدك وعمرك كذلك ، وأنشدت لبعض الرّجاز :

قالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وَذُعْرٌ *** عوذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وَحِجْرُ

فإن قلت : فإذ قد ثبت أنه من باب المصادر ، فما معنى وصفه بمحجور ؟ قلت : جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر ، كما قالوا . ذيل ذائل ، والذيل : الهوان . وموت مائت . والمعنى في الآية : أنهم يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه ، وهم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم ، لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون ، قالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ الموتور وشدّة النازلة . وقيل : هو من قول الملائكة ومعناه : حراماً محرماً عليكم الغفران والجنة والبشرى ، أي : جعل الله ذلك حراماً عليكم .