فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

{ يَوْمَ } أي : اذكر يوم { يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ } أي ملائكة العذاب رؤية ليست على الوجه الذي طلبوه والصورة التي اقترحوها ، بل على وجه آخر ، وهو يوم ظهورهم لهم عند الموت أو عند الحشر ، قال مجاهد : يوم القيامة ، وعن عطية العوفي نحوه .

{ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } أي يمنعون البشرى يوم يرون ، أو لا توجد لهم بشرى فيه ، فأعلم سبحانه بأن الوقت الذي يرون فيه الملائكة وهو وقت الموت أو يوم القيامة قد حرمهم الله البشرى ، بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة ، قال الزجاج : المجرمون في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر بالله ، وهو ظاهر في موضع مضمر ، أو عام يتناولهم بعمومه ، وهم الذين اجترموا الذنوب ، والمراد الكفار ، لأن مطلق الأسماء يتناول أكمل المسميات .

{ وَيَقُولُونَ } عند مشاهدتهم للملائكة : { حِجْرًا } حراما { مَّحْجُورًا } هذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدو ، وهجوم نازلة هائلة ، يضعونها موضع الاستعاذة يقال للرجل : أتفعل كذا ؟ فيقول : حجرا محجورا أي حراما عليك التعرض لي .

والمعنى يطلبون من الله أن يمنع المكروه فلا يلاحقهم أي : يسأله أن يمنع ذلك منعا ، ويحجره حجرا . وقيل إن هذا من الملائكة أي يقولون للكفار : حراما محرما أن يدخل أحد منكم الجنة . وأن تكون البشرى اليوم إلا للمؤمنين وقال أبو سعيد الخدري : حراما محرما أن نبشركم مما نبشر به المتقين ، وعن الحسن . وقتادة قالا : هي كلمة كانت العرب تقولها عند الشدائد ، وقال مجاهد : أي عوذا معاذ الملائكة تقوله ، والحجر مصدر ، بمعنى الاستعاذة ، والكسر والفتح لغتان وقرئ بهما ، وقرئ الضم ، وهو لغة فيه ، وهو من حجره إذا منعه . وقد ذكر سيبويه في باب المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها هذه الكلمة ، وجعلها من جملتها ، وبه قال السمين ، والبيضاوي . والحجر : العقل ، لأنه يمنع صاحبه ، ومحجورا صفة مؤكدة للمعنى ، كقولهم ذيل ذائل وموت مائت .