البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

{ يوم يرون الملائكة } { يوم } منصوب باذكر وهو أقرب أو بفعل يدل عليه { لا بشرى } أي يمنعون البشرى ولا يعمل فيه { لا بشرى } لأنه مصدر ولأنه منفي بلا التي لنفي الجنس لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس ، ودخول { لا } على { بشرى } لانتفاء أنواع البشرى وهذا اليوم الظاهر أنه يوم القيامة لقوله بعد { وقدمنا إلى ما عملوا } وعن ابن عباس : عند الموت والمعنى أن هؤلاء الذين اقترحوا نزول الملائكة لا يعرفون ما يكون لهم إذا رأوهم من الشر وانتفاء البشارة وحصول الخسار والمكروه .

واحتمل { بشرى } أن يكون مبنياً مع { لا } واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم فإن كان مبنياً مع { لا } احتمل أن يكون الخبر { يومئذ للمجرمين } خبر بعد خبر أو نعت لبشرى ، أو متعلق بما تعلق به الخبر ، وأن يكون { يومئذ } صفة لبشرى ، والخبر { للمجرمين } ويجيء خلاف سيبويه والأخفش هل الخبر لنفس { لا } أو الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع { لا } وما بني معها ؟ وإن كان في نية التنوين وهو معرب جاز أن يكون { يومئذ } معمولاً لبشرى ، وأن يكون صفة ، والخبر من الخبر .

وأجاز أن يكون { يومئذ } و { للمجرمين } خبر وجاز أن يكون { يومئذ } خبراً و { للمجرمين } صفة ، والخبر إذا كان الاسم ليس مبنياً لنفس لا بإجماع .

وقال الزمخشري : و { يومئذ } للتكرير وتبعه أبو البقاء ، ولا يجوز أن يكون تكريراً سواء أريد به التوكيد اللفظي أم أريد به البدل ، لأن { يوم } منصوب بما تقدم ذكره من اذكر أو من يعدمون البشرى وما بعد { لا } العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها وعلى تقديره يكون العامل فيه ما قبل إلاّ والظاهر عموم المجرمين فيندرج هؤلاء القائلون فيهم .

قيل : ويجوز أن يكون من وضع الظاهر موضع الضمير ، والظاهر أن الضمير في { ويقولون } عائد على القائلين لأن المحدث عنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة ، ثم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو ونزول الشدة وقال معناه مجاهد قال { حجراً } عواذاً يستعيذون من الملائكة .

وقال مجاهد وابن جريج : كانت العرب إذا كرهت شيئاً قالوا حجراً .

وقال أبو عبيدة : هاتان اللفظتان عوذة للعرب يقولهما من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة انتهى .

ومنه قول المتلمس :

حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها *** حجر حرام ألا تلك الدهاليس

أي هذا الذي حننت إليه هو ممنوع ، وذكر سيبويه { حجراً } في المصادر المنصوبة غير المتصرفة .

وقال بعض الرجاز :

قالت وفيها حيرة وذعر *** عوذ يرى منكم وحجر

وأنه واجب إضمار ناصبها .

قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل أتفعل كذا ؟ فيقول حجراً وهي من حجره إذا منعه لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه لا يلحقه .

وقرأ أبو رجاء والحسن والضحاك { حجراً } بضم الحاء .

وقيل : الضمير في { ويقولون } عائد على الملائكة أي تقول الملائكة للمجرمين { حجراً محجوراً } عليكم البشرى و { محجوراً } صفة يؤكد معنى { حجراً } كما قالوا : موت مائت ، وذيل ذائل ، والقدوم الحقيقي مستحيل في حق الله تعالى فهو عبارة عن حكمه بذلك وإنفاذه .

قيل : أو على حذف مضاف أي قدمت ملائكتنا وأسند ذلك إليه لأنه عن أمره ،