قوله تعالى : { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } قال أبي بن كعب ، وابن عباس ، و قتادة : إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين ، فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل . وقال أهل المعاني : إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم ، فقالوا : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ؟ ثم قالوا : { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } أقروا حين لم ينفعهم الإقرار . وقيل : قالت الملائكة لهم : ( ( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) ) . قال مجاهد : يقول قوله تعالى : ( ( ومن بعثنا من مرقدنا ) ) ؟قال أبي بن كعب ، وابن عباس ، وقتادة : إنما يقولون هذه ، لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين ، فيرقدون ، فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة ، وعاينوا القيامة دعوا الويل ، وقال أهل المعاني : إن الكفار إذا عاينوا جهنم ، وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم . فقالوا : { يا ويلنا من مرقدنا } ثم قالوا : ( ( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) ) . أقروا حين لم ينفعهم الإقرار ، وقيل : قالت الملائكة لهم :{ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } قال مجاهد : يقول الكفار : من بعثنا من مرقدنا ؟ فيقول المؤمنون : { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } .
وفي تلك الحال ، يحزن المكذبون ، ويظهرون الحسرة والندم ، ويقولون : { يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } أي : من رقدتنا في القبور ، لأنه ورد في بعض الأحاديث ، أن لأهل القبور رقدة قبيل النفخ في الصور ، فيجابون ، فيقال [ لهم : ] { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } أي : هذا الذي وعدكم اللّه به ، ووعدتكم به الرسل ، فظهر صدقهم رَأْيَ عين .
ولا تحسب أن ذكر الرحمن في هذا الموضع ، لمجرد الخبر عن وعده ، وإنما ذلك للإخبار بأنه في ذلك اليوم العظيم ، سيرون من رحمته ما لا يخطر على الظنون ، ولا حسب به الحاسبون ، كقوله : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } { وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ } ونحو ذلك ، مما يذكر اسمه الرحمن ، في هذا .
{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ؟ يعنون : [ من ]{[24774]} قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها ، فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ، وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم ؛ لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد .
وقال أُبَيّ بن كعب ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة : ينامون نومة قبل البعث .
قال قتادة : وذلك بين النفختين .
فلذلك يقولون : { مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ، فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون - قاله غير واحد من السلف - : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } . وقال الحسن : إنما يجيبهم بذلك الملائكة .
ولا منافاة إذ الجمع ممكن ، والله أعلم .
وقال عبد الرحمن بن زيد : الجميع من قول الكفار : { يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } .
نقله ابن جرير ، واختار الأول ، وهو أصح ، {[24775]} وذلك كقوله تعالى في الصافات : { وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ الصافات : 20 ، 21 ] ، وقال [ الله ]{[24776]} تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ الروم : 55 ، 56 ] .
{ قالوا يا ويلنا } وقرئ " يا ويلتنا " . { من بعثنا من مرقدنا } وقرئ " من أهبنا " من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا بمعنى أهبنا ، وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما ، و { من بعثنا } و " من هبنا " على الجارة والمصدر ، وسكت حفص وحده عليها سكته لطيفة والوقف عليها في سائر القراءات حسن . { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } مبتدأ وخبر و { ما } مصدرية ، أو موصولة محذوفة الراجع ، أو { هذا } صفة ل { مرقدنا } و { ما وعدنا } خبر محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف أي { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } ، أو { ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } حق وهو من كلامهم ، وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم ، معدول عن سننه تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا : بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون ، فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال .
ونداؤهم الويل بمعنى هذا وقتك وأوان حضورك وهو منادى مضاف ، ويحتمل أن يكون نصب الويل على المصدر والمنادى محذوف ، كأنهم قالوا يا قومنا ويلنا ، وقرأ ابن أبي ليلى «يا ويلتنا » بتاء التأنيث{[9795]} ، وقرأ الجمهور «مَن بعثنا » بفتح الميم على معنى الاستفهام ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنها قرآ «مِن بْعثِنا » بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية ، وسكون العين وكسر الثاء على المصدر ، وفي قراءة ابن مسعود ، «من أهبنا من مرقدنا » أي من نبهنا ، وفي قراءة أبي بن كعب «من هبنا » ، قال أبو الفتح ولم أرَ لها في اللغة أصلاً ولا مر بنا " مهبوب " {[9796]} ، ونسبها أبو حاتم إلى ابن مسعود رضي الله عنه ، وقولهم { من مرقدنا } يحتمل أن يريدوا من موضع الرقاد حقيقة ، ويروى عن أبي بن كعب وقتادة ومجاهد أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا غير صحيح الإسناد ، وإنما الوجه في قولهم { من مرقدنا } أنها استعارة وتشبيه ، كما تقول في قتيل هذا مرقده إلى يوم القيامة ، وفي كتاب الثعلبي : أنهم قالوا { من مرقدنا } لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم ، وقال الزجاج : يجوز أن يكون هذا إشارة إلى المرقد ، ثم استأنف بقوله ، { ما وعد الرحمن } ويضمر الخبر حق أو نحوه ، وقال الجمهور : ابتداء الكلام { هذا ما وعد الرحمن } ، واختلف في هذه المقالة من قالها ، فقال ابن زيد : هي من قول الكفرة أي لما رأوا البعث والنشور الذي كانوا يكذبون به في الدنيا قالوا { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } وقالت فرقة : ذلك من قول الله تعالى لهم على جهة التوبيخ والتوقيف ، وقال الفراء : هو من قول الملائكة ، وقال قتادة ومجاهد : هو من قول المؤمنين للكفرة على جهة التقريع .