قوله : { ياويلنا } العامة على الإضافة إلى ضمير المتكلمين دون تأنيث وهو «ويل » مضاف لما بعده . ونقل أبو البقاء أن «وَيْ » كلمة برأسها عن الكوفيين و «لنا » جار ومجرور{[46365]} انتهى . قال شهاب الدين : ولا معنى لهذا إلا بتأويل بعيد وهو أن يكون يا عَجَب لنا ، لأن «وَيْ » تفسير بمعنى أعجب منا{[46366]} . وابنُ أَبِي لَيْلَى يا ويلتنا بتاء التأنيث وعنه أيضاً يَا وَيْلَتِي بإبدال التاء ألفاً{[46367]} . وتأويل هذه أن كل واحد منهم يقول يا ويلتي{[46368]} .
قوله : { مَنْ بَعَثَنَا } العامة على فتح ميم «من » و «بعثنا » فعلاً ماضياً خبراً «لمنْ » الاستفهامية قبله ، وابن عباس والضحاك وأبو نُهَيْك بكسر الميم على أنها حرف{[46369]} جر ، و «بعثنا » مصدر مجرور «بمن » ف «من » الأولى تتعلق{[46370]} بالويل والثانية تتعلق{[46371]} بالبعث . والمَرْقَدُ يجوز أن يكون مصدراً{[46372]} أي من رُقَادِنَا وأن يكون{[46373]} مكاناً وهو مفرد أقيم مُقَام الجمع والأول{[46374]} أحسن ؛ إذ المصدر يفرد مطلقاً{[46375]} .
قال ابن عباس وأبيّ بن كعب وقتادة : إنما يقولون هذا لأن الله يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة ، دعوا بالويل . وقال ( أهل ){[46376]} المعاني : الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم فقالوا : مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا{[46377]} .
فإن قيل : لو قيل : فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون يقولون يا ويلنا كان أليق قال ابن الخطيب : نقول : معاذ الله وذلك لأن قوله إذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون إشارة إلى أنه تعالى بأسرع زمان يجمع أجزاءهم ويؤلفها ويحييها ويحركها بحيث يقع نسلانهم في وقت النفخ مع أن ذلك لا بدّ له من الجمع والتأليف فلو قال يقولون لكان ذلك مثل الحال لينسلون أي ينسلون قائلين يا ويلنا وليس كذلك فإن قولهم : يا ويلنا قبل أن ينسلوا وإنما ذكر النسلان لما ذكرنا من الفائدة{[46378]} .
فإن قيل : ما وجه تعلق «مَنْ بعَثنَا مِنْ مَرْقَدِنَا » بقولهم «يَا وَيْلَنَا » ؟
فالجواب : لما بعثوا تذكروا{[46379]} ما كانوا يسمعون من الرسل فقالوا : يَاوَيْلَنَا أبَعَث الله البَعْثَ الموعود به أم كنا نِيَاماً هنا كما إذا كان إنسان موعوداً بأن يأتيه عدو لايطيقه ثم يَرَى رَجُلاً هائلاً يقبل عليه فيرتجف في نفسه ويقول أهذا ذاك أم لا ؟ .
ويدل على هذا قولهم : { مِنْ مَرْقَدِنَا } حيث جعلوا القبور موضع الرُّقَاد إشارة إلى أنهم شكوا في أنهم كانوا نيَاماً فنبهوا أو كانوا موتى فبعثوا وكان الغالب على ظنهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين وقالوا من بعثنا إشارة إلى ظنهم أنه بعثهم الموعود به وقالوا من مرقدنا إشارة إلى توهمهم احتمال الانْتِبَاه{[46380]} .
قوله : { هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن } في «هذا » وجهان :
أظهرهما : أنه مبتدأ وما بعده خبره{[46381]} . ويكون الوقف تامًّا على قوله : { مِن مَّرْقَدِنَا } وهذه الجملة حينئذ فيها وجهان :
أحدهما : أنها مستأنفة إما من قول الله تعالى ، أو من قول الملائكة ، أو من قول المؤمنين للكفار{[46382]} .
الثاني : أنها من كلام الكفار فيكون في محلّ نصب بالقَول{[46383]} .
والثاني من الوجهين الأولين : ( أن ){[46384]} «هذا » صفة «لمرقدنا » و «مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ » منقطع عما قبله{[46385]} ، ثم في «ما » وجهان :
أحدهما : أنها في محل رفع بالابتداء والخبر مقدر أي الذي وعده الرحمن وصدق فيه المرسلون حق عليكم{[46386]} . وإليه ذهب الزجاج والزمخشري{[46387]} .
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هذا وعد{[46388]} الرحمن ، وقد تقدم في أول الكهف أن حَفْصاً يقف على «مرقدنا » وقفةً لطيفة دون قطع نفس لئلا يتوهم أن اسم الإشارة تابع ل «مَرْقَدِنَا » . وهذان الوَجْهَانِ يقويان ذلك المعنى المذكور الذي تعمد الوقف لأجله{[46389]} ، و «ما » يصحّ أن تكون موصولة اسمية أو حرفية كما تقدم{[46390]} . ومفعولاً الوعد والصدق محذوفان أي وَعَدَنَاهُ الرَّحْمَنُ وصَدَقَنَاهُ المرسلون{[46391]} ، والأصل «صدقنا فيه » ويجوز حذف الخافض وقد تقدم ذلك نحو : صَدَقَنِي سنَّ بكْرِ ( هِ ){[46392]} أي في سنه{[46393]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.