فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَصَدَقَ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (52)

{ قَالُواْ يا ويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } أي قالوا عند بعثهم من القبور بالنفخة يا ويلنا : نادوا ويلهم ، كأنهم قالوا له احضر ، فهذا أوان حضورك ، وهؤلاء القائلون هم : الكفار . قال ابن الأنباري : الوقف على { يا ويلنا } وقف حسن . ثم يبتدىء الكلام بقوله : { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } ظنوا لاختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول ، وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نياماً . قرأ الجمهور { يا ويلنا } ، وقرأ ابن أبي ليلى " يا ويلتنا " بزيادة التاء . وقرأ الجمهور { من بعثنا } بفتح ميم " من " على الاستفهام . وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرف جرّ ، ورويت هذه القراءة عن عليّ بن أبي طالب . وعلى هذه القراءة تكون " من " متعلقة بالويل ، وقرأ الجمهور { من بعثنا } . وفي قراءة أبيّ " من أهبنا " من هبّ نومه : إذا انتبه ، وأنشد ثعلب على هذه القراءة :

وعاذلة هبت بليل تلومني *** ولم يعتمدني قبل ذاك عذول

وقيل : إنهم يقولون ذلك إذا عاينوا جهنم . وقال أبو صالح : إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور ، وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية ، وجملة { هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون } جواب عليهم من جهة الملائكة ، أومن جهة المؤمنين .

وقيل : هو من كلام الكفرة يجيب به بعضهم على بعض . قال بالأوّل الفراء ، وبالثاني مجاهد . وقال قتادة : هي من قول الله سبحانه ، و { ما } في قوله : { مَا وَعَدَ الرحمن } موصولة ، وعائدها محذوف والمعنى : هذا الذي وعده الرحمن ، وصدق فيه المرسلون قد حق عليكم ونزل بكم ، ومفعولا الوعد والصدق محذوفان أي وعدكموه الرحمن ، وصدقكموه المرسلون ، والأصل وعدكم به ، وصدقكم فيه ، أو وعدناه الرحمن ، وصدقناه المرسلون على أن هذا من قول المؤمنين ، أو من قول الكفار { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة } .

/خ54