الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَصَدَقَ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (52)

قوله : { يوَيْلَنَا } : العامَّةُ على الإِضافةِ إلى ضمير المتكلمين دون تأنيثٍ . وهو " وَيْل " مضافٌ لِما بعده . ونقل أبو البقاء عن الكوفيين أنَّ " وَيْ " كلمةٌ برأسِها . و " لنا " جارٌّ ومجرور " . انتهى . ولا معنى لهذا إلاَّ بتأويلٍ بعيدٍ : هو أَنْ يكونَ يا عجبُ لنا ؛ لأنَّ وي تُفَسَّرُ بمعنى اعجب منا . وابن أبي ليلى : " يا وَيْلتنا " بتاء التأنيث ، وعنه أيضاً " يا ويْلتا " بإبدال الياءِ ألفاً . وتأويلُ هذه أنَّ كلَّ واحدٍ منهم يقول : يا ويلتي .

والعامَّةُ على فتح ميم " مَنْ و " بَعَثَنا " فعلاً ماضياً خبراً ل " مَنْ " الاستفهامية قبلَه . وابن عباس والضحاك ، وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرفُ جر . و " بَعْثِنا " مصدرٌ مجرور ب مِنْ . ف " مِنْ " الأولى تتعلَّق بالوَيْل ، والثانيةُ تتعلَّقُ بالبعث .

والمَرْقَدُ يجوز أَنْ يكونَ مصدراً أي : مِنْ رُقادِنا ، وأن يكونَ مكاناً ، وهو مفردٌ أُقيم مُقامَ الجمعِ . والأولُ أحسنُ ؛ إذ المصدرُ يُفْرَدُ مطلقاً .

قوله : { هَذَا مَا وَعَدَ } في " هذا " وجهان ، أظهرهما : أنه مبتدأٌ وما بعده/ خبرُه . ويكونُ الوقفُ تاماً على قوله " مِنْ مَرْقَدِنا " . وهذه الجملةُ حينئذٍ فيها وجهان ، أحدهما : أنها مستأنفة : إمَّا من قولِ اللَّهِ تعالى ، أو مِنْ قولِ الملائكةِ . والثاني : أنها من كلام الكفارِ فتكون في محلِّ نصب بالقول . والثاني من الوجهين الأولين : " هذا " صفةٌ ل " مَرْقَدِنا " و " ما وَعَد " منقطعٌ عَمَّا قبله .

ثم في " ما " وجهان ، أحدُهما : أنها في محلِّ رفعٍ بالابتداء ، والخبرُ مقدرٌ أي : الذي وَعَدَه الرحمنُ وصَدَقَ فيه المرسلون حَقٌّ عليكم . وإليه ذهب الزجَّاج والزمخشري . والثاني : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : هذا وَعْدُ الرحمن . وقد تقدَّم لك أولَ الكهف : أنَّ حَفْصاً يقف على " مَرْقَدنا " وَقْفةً لطيفةً دونَ قَطْعِ نَفَسٍ لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّ اسمَ الإِشارةِ تابعٌ ل " مَرْقَدِنا " . وهذان الوجهان يُقَوِّيان ذلك المعنى المذكور الذي تَعَمَّد الوقفَ لأجلِه . و " ما " يَصِحُّ أَنْ تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفيةً كما تقدَّم تقريرُه . ومفعولا الوعدِ والصدقِ محذوفان أي : وعَدَناه الرحمن وصَدَقَناه المرسلون . والأصل : صَدَقَنا فيه . ويجوز حَذْفُ الخافض وقد تقدَّم لك نحو " صَدَقني سِنَّ بَكْرِهِ " أي في سِنِّه . وتقدَّم قراءتا " صيحة واحدة " نصباً ورفعاً .