البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَصَدَقَ ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (52)

وقرأ ابن أبي ليلى : يا ويلتنا ، بتاء التأنيث ؛ وعنه أيضاً : يا ويلتى ، بالتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة ، ومعنى هذه القراءة : أن كل واحد منهم يقول يا ويلتى .

والجمهور : و { من بعثنا } : من استفهاما ، وبعث فعل ماض ؛ وعلي ، وابن عباس ، والضحاك ، وأبو نهيك : من حرف جر ، وبعثنا مجرور به .

والمرقد : استعارة عن مضجع الميت ، واحتمل أن يكون مصدراً ، أي من رقادنا ، وهو أجود .

أو يكون مكاناً ، فيكون المفرد فيه يراد به الجمع ، أي من مراقدنا .

وما روي عن أبيّ بن كعب ومجاهد ، وقتادة : من أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر ، فقالوا : هو غير صحيح الإسناد .

وقيل : قالوا من مرقدناً ، لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم .

والظاهر أن هذا ابتداء كلام ، فقيل : من الله ، وعلى سبيل التوبيخ والتوقيف على إنكارهم .

وقال الفراء : من قول الملائكة .

وقال قتادة ، ومجاهد : من قول المؤمنين للكفار ، على سبيل التقريع .

وقال ابن زيد : من قول الكفرة ، أو البعث الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ، قالوا ذلك .

والاستفهام بمن سؤال عن الذي بعثهم ، وتضمن قوله : { هذا ما وعد الرحمن } ، ذكر الباعث ، أي الرحمن الذي وعدكموه ، وما يجوز أن تكون مصدرية على سمة الموعود ، والمصدر فيه بالوعد والصدق ، وبمعنى الذي ، أي هذا الذي وعده الرحمن . والذي صدق المرسلون ، أي صدق فيه من قولهم : صدقت زيداً الحديث ، أي صدقه فيه ؛ ومنه قولهم : صدقني سن بكره ، أي في سنّ بكره . وقال الزجاج : ويجوز أن يكون إشارة إلى المرقد ، ثم استأنف ما وعد الرحمن ، ويضمر الخبر حق أو نحوه . وتبعه الزمخشري فقال : ويجوز أن يكون هذا صفة للمرقد ، وما وعد خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا وعد الرحمن ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي ما وعد الرحمن وصدق المرسلون حق عليكم . انتهى .