معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

قوله تعالى : { وإن جنحوا للسلم } ، أي : مالوا إلى الصلح .

قوله تعالى : { فاجنح لها } ، أي : مل إليها وصالحهم ، روي عن قتادة والحسن : أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }

قوله تعالى : { وتوكل على الله } ثق بالله .

قوله تعالى : { إنه هو السميع العليم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

{ 61 - 64 ْ } { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ْ }

يقول تعالى : { وَإِنْ جَنَحُوا ْ } أي : الكفار المحاربون ، أي : مالوا { لِلسَّلْمِ ْ } أي : الصلح وترك القتال .

{ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ْ } أي : أجبهم إلى ما طلبوا متوكلا على ربك ، فإن في ذلك فوائد كثيرة .

منها : أن طلب العافية مطلوب كل وقت ، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك ، كان أولى لإجابتهم .

ومنها : أن في ذلك إجماما لقواكم ، واستعدادا منكم لقتالهم في وقت آخر ، إن احتيج لذلك .

ومنها : أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضا ، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر ، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، . فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان ، لحسنه في أوامره ونواهيه ، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم ، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه ، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له ، . فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

يقول تعالى : إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء ، فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم ، { وَإِنْ جَنَحُوا } أي : مالوا { لِلسَّلْمِ } أي : المسالمة والمصالحة والمهادنة ، { فَاجْنَحْ لَهَا } أي : فمل إليها ، واقبل منهم ذلك ؛ ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ؛ أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا فضيل بن سليمان - يعني : النميري - حدثنا محمد بن أبي يحيى ، عن إياس بن عمرو الأسلمي ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه سيكون بعدى اختلاف - أو : أمر - فإن استطعت أن يكون السلم ، فافعل " {[13126]}

وقال مجاهد : نزلت في بني قريظة .

وهذا فيه نظر ؛ لأن السياق كله في وقعة بدر ، وذكرها مكتنف لهذا كله .

وقول ابن عباس ، ومجاهد ، وزيد بن أسلم ، وعطاء الخراساني ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة : إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في " براءة " : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } الآية [ التوبة : 29 ] فيه نظر أيضًا ؛ لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك ، فأما إذا كان العدو كثيفًا ، فإنه تجوز مهادنتهم ، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص ، والله أعلم .

وقوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } أي : صالحهم وتوكل على الله ، فإن الله كافيك وناصرك ،


[13126]:زوائد المسند (1/90) وقال الهيثمي في المجمع (7/234): "رجاله ثقات".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

{ وإن جنحوا } مالوا ومنه الجناح . وقد يعدى باللام وإلى { للسّلم } للصلح أو الاستسلام . وقرأ أبو بكر بالكسر . { فاجنح لها } وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضها فيه . قال :

السِّلم تأخذ منها ما رضيت به *** والحرب يكفيك من أنفاسها جرعُ

وقرئ " فاجنح " بالضم . { وتوكل على الله } ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه ، فإن الله يعصمك من مكرهم ويحيقه بهم . { إنه هو السميع } لأقوالهم . { العليم } بنياتهم . والآية مخصوصة بأهل الكتاب لاتصالها بقصتهم وقيل عامة نسختها آية السيف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

وقوله تعالى : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } الآية ، الضمير في { جنحوا } هو للذين نبذ إليهم على سواء ، وجنح الرجل إلى الأمر إذا مال إليه وأعطى يده فيه ، ومنه قيل للأضلاع جوانح لأنها مالت على الحشوة{[5450]} وللخباء جناح وجنحت الإبل إذا مالت أعناقها في السير وقال ذو الرمة :

إذا مات فوق الرحل أحييت روحه*** بذكراك والعيس المراسيل جنح{[5451]}

وجنح الليل إذا أقبل وأمال أطنابه{[5452]} على الأرض ومنه قول النابغة : [ الطويل ]

جوانح قد أيقنَّ أن قبيله*** إذا ما التقى الجمعان أول غالب{[5453]}

أي موائل ، وقال لبيد : [ الوافر ]

جنوح الهالكيِّ على يديه*** مكبّاً يجتلي نُقَبَ النصال{[5454]}

وقرأ جمهور الناس «للسَّلم » بفتح السين وشدها وقرأ عاصم في رواية بكر «للسِّلم » بكسرها وشدها هما لغتان في المسالمة ، ويقال أيضاً «السَّلَم » بفتح السين واللام ولا أحفظها قراءة ، وقرأ جمهور الناس «فاجنَح » بفتح النون وهي لغة تميم ، وقرأ الأشهب العقيلي «فاجنُح » وهي لغة قيس بضم النون ، قال أبو الفتح وهذه القراءة هي القياس ، لأن فعل إذا كان غير متعد فمستقبله{[5455]} يفعل بضم العين أقيس قعد يقعد أقيس من جلس يجلس ، وعاد الضمير في { لها } مؤنثاً إذ السلم بمعنى المسالمة والهدنة ، وقيل السلم مؤنثة كالحرب ذكره النحاس ، وقال أبو حاتم يذكر السلم ، وقال قتادة والحسن بن أبي الحسن وعكرمة وابن زيد : هذه الآية منسوخة بآيات القتال في براءة{[5456]} .

قال القاضي أبو محمد : وقد يحتمل ألا يترتب نسخها بأن يعني بهذه من تجوز مصالحته وتبقى تلك في براءة في عبدة الأوثان وإلى هذا ذهب الطبري وما قالته الجماعة صحيح أيضاً إذا كان الجنوح إلى سلم العرب مستقراً في صدر الإسلام فنسخت ذلك آية براءة ونبذت إليهم عهودهم ، وروي عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون }{[5457]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول بعيد من أن يقوله ابن عباس رضي الله عنه ، لأن الآيتين مبينتان ، وقوله { وتوكل على الله } أمر في ضمنه وعد .


[5450]:- الحُشوة بضم الحاء وبكسرها: الأمعاء.
[5451]:- الرّحل: ما يوضع فوق ظهر البعير للركوب عليه. والعيس: الإبل البيض، والمراسيل: سهلة السير التي تعطيك ما عندها عفوا دون إجهاد لها أو لك، وجنّح: مائلة صدورها إلى الأرض، وقيل: مائلة في سيرها من النشاط، يريد أنه يغني بأشعاره فيحي روحه.
[5452]:- الإطناب: جمع طنب بضمتين، والطنب: حبل الخباء، يقال: خباء مطنب ورواق مطنّب، أي مشدود بالأطناب.
[5453]:- البيت في وصف الطيور التي تتبع الجيش، ويوضح هذا البيت الذي قبله، وفيه يقول: إذا ما غزا بالجيش أبصرت فوقه عصائب طير تهتدي بعصائب والقبيل: الجماعة من قوم شتى تكون من الثلاثة فصاعدا، وقد فسر ابن عطية رحمه الله كلمة "جوانح".
[5454]:- البيت مع الأبيات السابقة عليه في وصف ثور وحشي ناشط كثير الحركة ضلّ عن القطيع الذي كان يرعى معه، وبات في حمى بعض الأشجار يحرك قرنه كلما تحركت أغصان الشجر أو قطرت على ظهره، وقد أكبّ كما يكبّ الصيقل الذي يشحذ السيوف، ومعنى جنوح: إكباب، أي أكبّ مثل إكباب، والهالكي: الصيقلي الذي يشحذ السيوف على يديه أو يصنعها، ويجلتى: يجلو، والنقب: الصدأ الذي ظهر في النصال. والصورة التي عرضها لبيد في هذه الأبيات وما تبعها من معركة بين الثور والكلاب من روائع الصور في الشعر العربي.
[5455]:- أي: مضارعه.
[5456]:- كقوله تعالى في الآية (5): {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله في الآية (36): {وقاتلوا المشركين كافة}.
[5457]:- من الآية (35) من سورة (محمد).