الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

وقوله : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } ، إلى قوله : { عزيز حكيم }[ 61-63 ] .

قد تقدم ذكر " السلم " في الفتح والكسر في " البقرة " {[27745]} .

والمعنى : إن{[27746]} جنح هؤلاء الذين أمرت أن تنبذ إليهم على سواء إلى الصلح ، أي : [ مالوا إليه ]{[27747]} فمل إليه ، إما بالدخول في الإسلام ، أو بإعطاء الجزية ، وإما بموادعة{[27748]} .

قال قتادة : وهي منسوخة بقوله : { فاقتلوا{[27749]} المشركين حيث وجدتموهم }{[27750]} .

وقال ابن عباس نسخها : { فلا{[27751]} تهنوا وتدعوا إلى السلم }{[27752]} .

وقال عكرمة والحسن{[27753]} نسخها : { قاتلوا الذين لا يومنون بالله } الآية{[27754]} .

وقيل : إنها محكمة{[27755]} .

والمعنى : إن دعوك إلى الإسلام فصالحهم{[27756]} . قاله ابن إسحاق{[27757]} .

{ وتوكل على الله }[ 61 ] .

أي : فوض أمرك إلى{[27758]} الله ، { إنه هو السميع العليم }{[27759]}[ 61 ] .


[27745]:آية 206: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} الآية.
[27746]:في "ر": وإن.
[27747]:زيادة من "ر"، ومعاني القرآن للزجاج 2/422.
[27748]:وادعه موادعة: صالحه، والاسم: الوادع بالكسر، المصباح/ودع. والمعنى مستخلص من جامع البيان 14/40.
[27749]:التوبة: 5، وفي المخطوطتين: (حديث ثقفتموهم)، وهو سهو ناسخ أثبت ما في سورة البقرة: 190، وسورة النساء /90.
[27750]:الناسخ والمنسوخ لقتادة 42، والإيضاح لناسخ ومنسوخه 300، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/261، وجامع البيان 14/41، وتفسير البغوي 3/373، وزاد: والحسن، وتفسير الماوردي 2/331، وزاد: الحسن، وابن زيد والدر المنثور 4/99، وتفسير القرطبي 8/27، وزاد: وعكرمة.
[27751]:محمد: آية 36، وتمامها: {وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم}.
[27752]:الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 300، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 1/233، وتفسير القرطبي 8/27.
[27753]:نواسخ القرآن 347، بلفظ: "...وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وقتادة في آخرين"، وتفسير ابن كثير 2/322، وفيه: "...وقال ابن عباس، ومجاهد، وزيد ابن أسلم، وعطاء الخرساني، وعكرمة، والحسن، وقتادة". وأورده المؤلف من غير عزو في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 300.
[27754]:التوبة: 29 وتمامها: {ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
[27755]:قال في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 300: "وقيل الآية محكمة غير منسوخة، وأن الله أمر نبيه في "الأنفال" أن يميل إلى الصلح إن مالوا إليه وابتدؤوه بذلك، ونهاه في سورة "محمد" عليه السلام، أن يبتدئ بطلب الصلح منهم قبل أن يطلبوا هم ذلك منه. فالآيتان محكمتان في معنيين مختلفين لا ينسخ أحدهما الآخر". وممن نص على إحكام الآية أيضا. الطبري في جامع البيان 14/42، قال: "فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل...." انظر: ما ذكره بعد هذا الكلام ففيه توضيح له. وابن العربي في أحكام القرآن 2/876، قال: "أما قول من قال إنها منسوخة بقوله: {فاقتلوا المشركين} فدعوى، فإن شروط النسخ معدومة فيها، كما بيناه في موضعه"، انظر: ناسخه 2/233. وابن كثير في تفسيره 2/323، قال: "وقال ابن عباس...إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة": {قاتلوا الذين لا يومنون بالله}، الآية. وفيه نظر...لأن آية "براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفا فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فلا منافاة، ولا نسخ، ولا تخصيص والله أعلم".
[27756]:بشأن الصلح مع العدو، انظر: أحكام القرآن لابن العربي 2/876، وتفسير الرازي 8/194، وتفسير القرطبي 8/27، 28.
[27757]:سيرة ابن هشام 1/674، وجامع البيان 14/42، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1725، كلها بلفظ: "...أي: إن يدعوك إلى السلم على الإسلام فصالحهم عليه".
[27758]:في "ر": أمرك إليه.
[27759]:انظر: جامع البيان 14/43، فما أوجزه مكي هاهنا، توضيحه هناك، فعنه نقل.