غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

50

ثم رخص في المصالحة إن مال الأعداء إليها فقال { وإن جنحوا للسلم } الآية جنح له وإليه جنوحاً إذا مال . وإنما قيل { فاجنح لها } لأن السلم تؤنث تأنيث نقيضها وهي الحرب ، أو بتأويل الخصلة أو الفعلة . عن ابن عباس ومجاهد أن الآية منسوخة بقوله

{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } [ التوبة : 29 ] وبقوله { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] والأوْلى أن يقال : إنها ثابتة فليس بحتم أن يقاتل المشركون أبداً ، أو يجابوا إلى الهدنة أبداً ، وإنما الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وذويه ، فإذا رأى الصلاح في الصلح فذاك . والمصلحة قد تظهر عند ضعف المسلمين إما لقلة العدد أو لقلة المال وبعد العدوّ وقد تكون مع القوة للطمع في إسلامهم أو قبولهم الجزية إذا خالطوا المسلمين أو بأن يعينوه على قتال غيرهم . وأما مدة المهادنة فإذا لم يكن بالمسلمين ضعف ورأى الإمام الصلاح في المهادنة فقد قال الشافعي يهادن أربعة أشهر فما دونها لقوله تعالى { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر }

[ التوبة : 2 ] وذلك كان في أقوى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك . وإن كان بالمسلمين ضعف جازت الزيادة بحسب الحاجة إلى عشر سنين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح أهل مكة بالحديبية على وضع القتال عشر سنين : إلا أنهم نقضوا العهد قبل كمال المدة وإن نقضت المدة والحاجة باقية استأنف العقد . ثم قال { وتوكل على الله } أي فوض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله ليكون عوناً لك على السلامة وينصرك عليهم . إذا نقضوا العهد وعدلوا عن الوفاء كما كان من شأن قريظة والنضير . وعن مجاهد نزلت فيهم { إنه هو السميع } للأقوال { العليم } بالأحوال . وفيه زجر عن نقض الصلح ما أمكن .