تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

وقوله تعالى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) قرئ بالنصب ( للسَّلم ) وقرئ بالخفض للسِّلم وقال[ انظر معجم القراءات القرآنية ج2/460 ] أهل اللغة : من قرأ بالنصب ( للسلم ) حمل على المصالحة والموادعة ، ومن قرأ بالخفض للسلم جعل ذلك في الإسلام العهد على ما ذكرنا في قوله ( الذين عاهدت منهم ثم ينقصون عهدهم في كل مرة )[ الأنفال : 56 ] .

يقول : لا يمنعك عن الصلح معهم ما كان منهم من النقض ونكث العهود ( وتوكل على الله ) ولا تخف خيانتهم ونقضهم العهد فإن الله يطلعك ، ويكفيك على ذلك .

ومنهم من قال : قوله : ( وإن جنحوا للسلم ) أي إذا خضعوا ، وتوضعوا ، للإسلام فأقبل منهم ، واخضع لهم . كقوله : ( واخفض جناحك للمؤمنين )[ الحجر : 88 ] أمره بخفض الجناح لهم ، وكقول أبي بكر ؛ ذكر ههنا أنهم إذا طلبوا الصلح منا يلزمنا أن [ نقبل ذلك منهم ][ في الأصل وم : نعطيهم ] وإذا لم يطلبوا منا ذلك لنا أن نطلب منهم الصلح إلا أن نضطر إلى ذلك . وهو ما ذكر في آية أخرى [ حين قال ][ في الأصل وم : حيث ] ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون )[ محمد : 35 ] نهانا أن ندعوهم إلى الصلح ، ولنا قوة وعدة للقتال معهم . وأما إذا كانوا طلبوا منا ذلك أولا فيجابون إلى ذلك . ويحتمل ما ذكرنا أي لا يمنعك ما[ في الأصل وم : لما ] كان منهم من نقض العهد .

وقوله تعالى : ( فاجنح لها ) يحتمل ذكره بالتأنيث ؛ أي للمسالمة والمصالحة . وقال بعضهم :

السلم يأخذه منا ما رضيت به والحرب تكفيك من أنفاسها جرع

فإن قيل : ما المعنى في قول من قال بالإسلام بقوله : ( فاجنح لها ) وهو كان يدعو إلى الإسلام ، وهو /204-أ/ لا شك أنه كان يقبل منهم الإسلام ؟ قيل : يحتمل أن يكون الأمر بالقبول أمرا بترك المؤاخذة لما[ في الأصل وم : ما ] كان منهم في حال نقض العهد لأن من قولنا : إن ما أصابوا في حال العهد من الجراحات والأخذ يبتغون بها ، ويؤاخذون ، إذا أسلموا . وإذا نقضوا العهد ، ثم أصابوا شيئا من ذلك ، ثم أسلموا لم يؤاخذوا بذلك ، فيحتمل أن يقول لهم : ( فاجنح لها ) ولا يؤاخذهم بما كان منهم في حال نقض العهد .

وقال الحسن : هذا منسوخ ؛ نسخها قوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله )الآية[ التوبة : 29 ] وقال بعضهم : نسخها قوله : ( وقاتلوا المشركين )الآية[ التوبة : 36 ] وقال بعضهم : [ نسخها ][ من م ، ساقطة من الأصل ] قوله : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون )[ محمد : 35 ] .

والوجه فيه ما ذكرنا أن الإمام إذا رأى الصلح والموادعة نصرا للمسلمين أجابهم إلى ذلك ، وصالحهم . وإذا طلبوا منه الصلح ، وبالمسلمين قوة القتال والحرب معهم ، لم يجبهم إلى ذلك . وما ذكر هؤلاء من نسخه فذلك لا نعرفه ، والله أعلم .