قوله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا } الآية .
لمَّا بيَّن ما يهرب به العدو من القوة ، بيَّن بعده أنَّهم عند هذا الإرهاب إذا مالوا إلى المصالحة ، فالحكمُ قبولُ المصالحِة ، والجنوحُ : المَيْلُ ، وجَنَحَتِ الإبلُ : أمالت أعناقها ؛ قال ذو الرُّمَّةِ : [ الطويل ]
إذَا مَاتَ فوقَ الرَّحْلِ أحْيَيْتِ رُوحَهُ *** بِذكْراكِ والعِيسُ المَراسِيلُ جُنَّحُ{[17468]}
يقال : جَنَحَ اللَّيْلُ : أقْبَلَ .
قال النضرُ بن شميلٍ : " جنح الرَّجلُ إلى فلانٍ ، ولفلان : إذا خضع له " والجُنُوح الاتِّباع أيضاً لِتضمُّنه الميل ؛ قال النَّابغة - يصفُ طيراً يتبع الجيش : [ الطويل ]
جَوَانِحُ قَدْ أيْقَنَّ أنَّ قبيلهُ *** إذا ما التقَى الجَمْعَانِ أوَّلُ غَالِب{[17469]}
ومنه " الجَوانِحُ " للأضلاع ، لميلها على حشوة الشخص ، والجناح من ذلك ، لميلانه على الطَّائر ، وقد تقدَّم الكلامُ على بعض هذه المادة في البقرة .
قوله " لِلسَّلْمِ " تقدَّم الكلام على " السلم " في البقرة ، وقرأ أبو بكر{[17470]} عن عاصم هنا بكسر السين ، وكَذا في القتال : { وتدعوا إِلَى السلم } ، ووافقه حمزة ما في القتال و " لِلسَّلْم " متعلق ب " جَنَحُوا .
فقيل : يتعدَّى بها ، وب " إلى " .
وقيل : هنا بمعنى " إلى " . وقرأ الأشهبُ{[17471]} العقيليُّ : " فاجْنُحْ " بضمِّ النُّون ، وهي لغة قيس ، والفتح لغة تميم .
والضمير في " لها " يعود على " السلم " ؛ لأنَّها تذكَّرُ وتُؤنث ؛ ومن التَّأنيث قوله [ المتقارب ] .
وأقْنَيْتُ لِلْحربِ آلاتِهَا *** وأعْدَدْتُ للسِّلْمِ أوزارَها{[17472]}
السِّلْمُ تأخُذُ مِنْهَا ما رضيتَ بِهِ *** والحَرْبُ يَكْفيكَ منْ أنْفَاسِهَا جُرَعُ{[17473]}
وقيل : أثبت الهاء في " لها " ؛ لأنَّهُ قصد بها الفعلة والجنحة ، كقوله : { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 153 ] أراد : من بعد فعلتهم .
وقال الزمخشريُّ : " السِّلْمُ تُؤنَّث تأنيث نقيضها ، وهي الحربُ " . وأنشد البيت المتقدم : السِّلم تأخذ منها .
قال الحسنُ وقتادةُ : هذه الآية نسخت بقوله : { فاقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] .
وقوله { قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله } [ التوبة : 29 ] .
وقال غيرهما : ليست منسوخة ؛ لكنها تتضمَّنُ الأمر بالصُّلح إذا كان الصلاح فيه ، فإذا رأى مصالحتهم ، فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة وإن كانت القوة للمشركين جاز مهادنتهم عشر سنين ، ولا يجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه هادن أهل مكَّة عشر سنين ، ثم إنهم نقضُوا العهد قبل كمال المُدَّة .
وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى الله } أي : فوِّض الأمر فيما عقدته معهم إلى الله .
{ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم } نبَّه بذلك على الزَّجر عن نقض العهد ؛ لأنَّهُ عالم بما يضمر العبد سميع لما يقوله .
قال مجاهدٌ : " نزلت في قريظة والنضير " وورودها فيهم لا يمنع من إجرائها على ظاهر عمومها{[17474]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.