معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

قوله تعالى : { لما بين يديه من التوراة وهدىً وموعظةً للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه } ، قرأ الأعمش وحمزة : { وليحكم } بكسر اللام ونصب الميم ، أي : لكي يحكم ، وقرأ الآخرون بسكون اللام وجزم الميم على الأمر ، قال مقاتل بن حيان : أمر الله الربانيين والأحبار أن يحكموا بما في التوراة ، وأمر القسيسين والرهبان أن يحكموا بما في الإنجيل ، فكفروا وقالوا : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله .

قوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } ، الخارجون عن أمر الله عز وجل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ْ } أي : يلزمهم التقيد بكتابهم ، ولا يجوز لهم العدول عنه . { وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ْ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

وقوله : { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فِيهِ } قُرئ { وَلْيَحْكُمْ } بالنصب على أن اللام لام كي ، أي : وآتيناه{[9920]} الإنجيل [ فيه هدى ونور ]{[9921]} ليحكم أهل ملته به في زمانهم . وقرئ : { وَلْيَحْكُمْ } بالجزم اللام{[9922]} لام الأمر ، أي : ليؤمنوا بجميع ما فيه ، وليقيموا ما أمروا به فيه ، ومما فيه البشارة ببعثة محمد [ صلى الله عليه وسلم ]{[9923]} والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد ، كما قال تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } الآية [ المائدة : 68 ] وقال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ [ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ ]{[9924]} الْمُفْلِحُونَ } [ الأعراف : 157 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } أي : الخارجون عن طاعة ربهم ، المائلون إلى الباطل ، التاركون للحق . وقد تقدم أن هذه الآية نزلت في النصارى ، وهو ظاهر السياق .

/خ44


[9920]:في د: "أي: آتيناه".
[9921]:زيادة من ر، أ.
[9922]:في أ: "وأن اللام".
[9923]:زيادة من د، أ.
[9924]:زيادة من ر، وفي هـ: "إلى قوله".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَلْيَحْكُمْ أهْلُ الإنْجِيلِ فقرأ قرّاء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين : ولْيَحْكُمْ بتسكين اللام على وجه الأمر من الله لأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه من أحكامه . وكأنّ من قرأ ذلك كذلك أراد : وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ، ومصدّقا لما بين يديه من التوراة ، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه . فيكون في الكلام محذوف ترك استغناء بما ذكر عما حذف .

وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : «وَلِيَحْكُمَ أهْلُ الإنْجيلِ » بكسر اللام من «ليحكم » ، بمعنى : كي يحكم أهل الإنجيل . وكأن معنى من قرأ ذلك كذلك : وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ، ومصدّقا لما بين يديه من التوراة ، وكي يحكم أهله بما فيه من حكم الله . والذي يتراءى في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، فبأيّ ذلك قرأ قارىء فمصيب فيه الصواب وذلك أن الله تعالى لم ينزل كتابا على نبيّ من أنبيائه إلا ليعمل بما فيه أهله الذين أمروا بالعمل بما فيه ، ولم ينزله عليهم إلا وقد أمرهم بالعمل بما فيه ، فللعمل بما فيه أنزله ، وأمر بالعمل بما فيه أهله . فكذلك الإنجيل ، إذ كان من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ، فللعمل بما فيه أنزله على عيسى ، وأمر بالعمل به أهله . فسواء قرىء على وجه الأمر بتسكين اللام أو قرىء على وجه الخبر بكسرها لاتفاق معنييهما . وأما ما ذكر عن أبيّ بن كعب من قراءته ذلك : «وإنِ أحْكُمْ » على وجه الأمر ، فذلك مما لم يصحّ به النقل عنه ، ولو صحّ أيضا لم يكن في ذلك ما يوجب أن تكون القراءة بخلافه محظورة ، إذ كان معناها صحيحا ، وكان المتقدمون من أئمة القرّاء قد قراءوا بها . وإذا كان الأمر في ذلك ما بينا ، فتأويل الكلام إذا قرىء بكسر اللام من «لِيحكم » : وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل ، فيه هدى ونور ، ومصدّقا لما بين يديه من التوراة ، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزلنا فيه ، فلم يطيعونا في أمرنا إياهم بما أمرناهم به فيه ، ولكنهم خالفوا أمرنا الذي أمرناهم به فيه هم الفاسقون . وكان ابن زيد يقول : الفاسقون في هذا الموضع وفي غيره : هم الكاذبون .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَليَحْكُمْ أهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُون قال : ومن لم يحكم من أهل الإنجيل أيضا بذلك ، فأولئك هم الفاسقون قال : الكاذبون بهذا . قال : وقال ابن زيد : كلّ شيء في القرآن إلا قليلاً «فاسق » فهو كاذب وقرأ قول الله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ قال : الفاسق ههنا : كاذب .

وقد بينا معنى الفسق بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

وقرأ أبيّ بن كعب «وأن ليحكم » بزيادة أن . وقرأ حمزة وحده «وِليحكمَ » بكسر اللام وفتح الميم على لام( كي ) ونصب الفعل بها ، والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق ليحكم أهله بما أنزل الله فيه ، وقرأ باقي السبعة «ولْيحكم » بسكون اللام التي هي لام الأمر وجزم الفعل . ومعنى أمره لهم بالحكم أي هكذا يجب عليهم . وحسن عقب ذلك التوقيف على وعيد من خالف ما أنزل الله . ومن القراء من يكسر لام الأمر ويجزم الفعل وقد تقدم نظير هذه الآية ، وتقريره هذه الصفات لمن لم يحكم بما أنزل الله هو على جهة التأكيد وأصوب ما يقال فيها أنها تعم كل مؤمن وكل كافر ، فيجيء كل ذلك في الكافر على أتم وجوهه ، وفي المؤمن على معنى كفر المعصية وظلمها وفسقها .