إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

{ وَليَحْكُمْ أَهْلُ الإنجيل بِمَا أَنزَلَ الله فِيهِ } أمرٌ مبتدأٌ لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائلُ رسالتِه عليه الصلاة والسلام وشواهدُ نبوته وما قرَّرت الشريعة الشريفةُ من أحكامه ، وأما أحكامُه المنسوخةُ فليس الحكمُ بهما حكماً بما أنزل الله فيه بل هو إبطالٌ وتعطيلٌ له ، إذ هو شاهدٌ بنسخها وانتهاءِ وقت العمل بها ، لأن شهادته بصحة ما ينسَخُها من الشريعة شهادةٌ بنسخها ، وبأن أحكامَه ما قرَّرتْه تلك الشريعةُ التي شهد بصحتها كما سيأتي في قوله تعالى : { قُلْ يا أهل الكتاب لَسْتُمْ على شَيء حتى تُقِيمُوا التوراة والإنجيل } [ المائدة ، الآية 67 ] الآية ، وقيل : هو حكايةٌ للأمر الوارد عليهم بتقدير فعلٍ معطوف على آتيناه أي وقلنا : ليحكم أهلُ الإنجيل الخ ، وقرئ ( وأن ) ليحكم على أنّ ( أنْ ) موصولةٌ بالأمر كما في قولك : أمرته بأن قم ، كأنه قيل : وآتيناه الإنجيل وأمَرْنا بأن يحكُمَ أهلُ الإنجيل الخ ، وقرئ عل صيغة المضارع ولام التعليل على أنها متعلقةٌ بمقدَّر كأنه قيل : ولِيَحْكُمَ أهلُ الإنجيل بما أنزل الله فيه آتيناه إياه ، وقد عُطِفَ على ( هدى وموعظة ) على أنهما مفعول لهما ، كأنه قيل : وللهدى والموعظة آتيناه إياه وللحُكْم بما أنزل الله فيه . { وَمَن لم يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله } منكراً له مستهيناً به { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون } المتمردون الخارجون عن الإيمان ، والجملة تذييلٌ مقرِّر لمضمون الجملة السابقة ومؤكِّد لوجوب الامتثال بالأمر ، وفيه دلالة على أن الإنجيلَ مشتملٌ على الأحكام ، وأن عيسى عليه السلام كان مستقلاً بالشرع مأموراً بالعمل بما فيه من الأحكام قلَّت أو كثُرت ، لا بما في التوراة خاصة ، وحملُه على معنى وليحكم بما أنزل الله فيه من إيجابِ العملِ بأحكام التوراة خلافُ الظاهر .