قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } أي : دلالات واضحات ، فهي الآيات التسع . قال ابن عباس و الضحاك : هي العصا ، واليد البيضاء ، والعقدة التي كانت بلسانه فحلها ، وفلق البحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . وقال عكرمة وقتادة ومجاهد وعطاء : هي الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، والسنون ، ونقص الثمرات . وذكر محمد بن كعب القرظي : الطمس ، والبحر بدل السنين ، ونقص من الثمرات ، قال : فكان الرجل منهم مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين ، والمرأة منهم قائمة تخبز وقد صارت حجراً . وقال بعضهم : هن آيات الكتاب .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرني الحسن بن محمد الثقفي ، أنبأنا هارون بن محمد بن هارون العطار ، أنبأنا يوسف بن عبد الله بن ماهان ، حدثنا الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن مسلمة ، عن صفوان بن عسال المرادي ، أن يهودياً قال لصاحبه : تعال حتى نسأل هذا النبي ، فقال الآخر : لا تقل نبي ، فإنه لو سمع صارت له أربعة أعين ، فأتياه فسألاه عن هذه الآية : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } فقال : لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تسرفوا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت ، فقبلا يده ، وقالا : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟ قالا : إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخاف إن تبعناك أن يقتلنا اليهود . { فاسأل } يا محمد { بني إسرائيل إذ جاءهم } ، موسى ، يجوز أن يكون الخطاب معه والمراد غيره ، ويجوز أن يكون خاطبه عليه السلام وأمره بالسؤال ليتبين كذبهم مع قومهم . { فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً } ، أي : مطبوباً سحروك ، قاله الكلبي . وقال ابن عباس : مخدوعاً . وقيل : مصروفاً عن الحق . وقال الفراء ، و أبو عبيدة : ساحراً ، فوضع المفعول موضع الفاعل . وقال محمد بن جرير : معطى علم السحر ، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك .
{ 101 - 104 } { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا * فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا }
أي : لست أيها الرسول المؤيد بالآيات ، أول رسول كذبه الناس ، فلقد أرسلنا قبلك موسى ابن عمران الكليم ، إلى فرعون وقومه ، وآتيناه { تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } كل واحدة منها تكفي لمن قصده اتباع الحق ، كالحية ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والرجز ، وفلق البحر .
فإن شككت في شيء من ذلك { فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ } مع هذه الآيات { إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا }
يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات ، وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون ، وهي : العصا ، واليد ، والسنين{[17871]} ، والبحر ، والطوفان{[17872]} ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، آيات مفصلات . قاله ابن عباس .
وقال محمد بن كعب : هي اليد ، والعصا ، والخمس في الأعراف ، والطَّمْسَة والحجر .
وقال : ابن عباس أيضًا ، ومجاهد ، وعكرمة والشعبي ، وقتادة : هي يده ، وعصاه ، والسنين ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .
وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي . وجعل الحسن البصري " السنين ونقص الثمرات " واحدة ، وعنده أن التاسعة هي : تلقف العصا ما يأفكون . { فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } [ الأعراف : 133 ] أي : ومع هذه الآيات ومشاهدتهم لها ، كفروا بها وجحدوا بها ، واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا ، وما نجعت{[17873]} فيهم ، فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك{[17874]} سألوا ، وقالوا : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا } [ الإسراء : 90 ] إلى آخرها ، لما استجابوا ولا آمنوا إلا أن يشاء الله ، كما قال فرعون لموسى - وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الآيات - : ( إِنِّي لأظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) قيل : بمعنى ساحر . والله تعالى أعلم .
فهذه الآيات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المرادة هاهنا ، وهي المعنية في قوله تعالى : { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [ النمل : 10 - 12 ] . فذكر هاتين الآيتين : العصا واليد ، وبين الآيات الباقيات في " سورة الأعراف " وفصلها .
وقد أوتي موسى ، عليه السلام ، آيات أخرَ كثيرة ، منها ضربُه الحجر بالعصا ، وخروج الأنهار منه ، ومنها تظليلهم بالغمام ، وإنزال المنّ والسلوى ، وغير ذلك مما أوتوه بنو إسرائيل بعد مفارقتهم بلاد مصر ، ولكن ذكر هاهنا التسع الآيات التي شاهدها فرعون وقومه من أهل مصر ، وكانت حجة عليهم فخالفوها وعاندوها كفرًا وجحودًا . فأما الحديث الذي رواه الإمام [ أحمد ]{[17875]} :
حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مُرَّة قال : سمعت عبد الله بن سلمة{[17876]} يحدث ، عن صفوان بن عَسّال المرادي ، رضي الله عنه ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي [ صلى الله عليه وسلم ]{[17877]} حتى نسأله عن هذه الآية : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) فقال : لا تقل له : نبي فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين . فسألاه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة - أو قال : لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا يهود ، عليكم{[17878]} خاصة أن لا تعدوا في السبت " . فقبلا يديه ورجليه ، وقالا نشهد أنك نبي . [ قال : " فما يمنعكما أن تتبعاني ؟ " قالا لأن داود ، عليه السلام ، دعا ألا يزال من ذريته نبي ]{[17879]} ، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود .
فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج ، به{[17880]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
وهو حديث مشكل ، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء ، وقد تكلموا فيه ، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات ، فإنها ، وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون ، والله أعلم . ولهذا قال موسى لفرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ تِسْعَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّي لأظُنّكَ يَمُوسَىَ مَسْحُوراً } .
يقول تعالى ذكره : ولقد آتينا موسى بن عمران تسع آيات بيّنات تُبين لمن رآها أنها حجج لموسى شاهدة على صدقه وحقيقة نبوّته .
وقد اختلف أهل التأويل فيهنّ وما هنّ . فقال بعضهم في ذلك ما :
حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ قال : التسع الاَيات البينات : يده ، وعصاه ، ولسانه ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم آيات مفصلات .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ إلقاء العصا مرّتين عند فرعون ، ونزع يده ، والعقدة التي كانت بلسانه ، وخمس آيات في الأعراف : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم .
وقال آخرون : نحوا من هذا القول ، غير أنهم جعلوا آيتين منهنّ : إحداهما الطمسة ، والأخرى الحجر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن برياة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : سألني عمر بن عبد العزيز ، عن قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ فقلت له : هي الطوفان والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، وعصاه ، والطمسة ، والحجر ، فقال : وما الطمسة ؟ فقلت : دعا موسى وأمّن هارون ، فقال : قد أجيبت دعوتكما ، وقال عمر : كيف يكون الفقه إلا هكذا . فدعا عمر بن عبد العزيز بخريطة كانت لعبد العزيز بن مروان أصيبت بمصر ، فإذا فيها الجوزة والبيضة والعدسة ما تنكر ، مسخت حجارة كانت من أموال فرعون أصيبت بمصر .
وقال آخرون : نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا اثنتين منهنّ : إحداهما السنين ، والأخرى النقص من الثمرات . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ومطر الورّاق ، في قوله : تِسْعَ آياتٍ قالا : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والعصا ، واليد ، والسنون ، ونقص من الثمرات .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، في قوله : تِسْع آياتٍ بَيّناتٍ قال : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين ، ونقص من الثمرات ، وعصاه ، ويده .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سُئل عطاء بن أبي رباح عن قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتً ما هي ؟ قال : الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وعصى موسى ، ويده .
قال : ابن جريج : وقال مجاهد مثل قول عطاء ، وزاد : أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : هما التاسعتان ، ويقولون : التاسعتان : السنين ، وذهاب عجمة لسان موسى .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، في قوله : تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ وهي متتابعات ، وهي في سورة الأعراف وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ وَنِقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : السنين في أهل البوادي ، ونقص من الثمرات لأهل القُرى ، فهاتان آيتان ، والطوافان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، هذه خمس ، ويد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين من غير سوء : البرص ، وعصاه إذ ألقاها ، فإذا هي ثعبان مبين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ قال : يد موسى ، وعصاه ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم والسنين ، ونقص من الثمرات .
وقال آخرون نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا السنين ، والنقص من الثمرات آية واحدة ، وجعلوا التاسعة : تلقف العصا ما يأفكون . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ ، وَلَقَدْ أخْذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال : هذه آية واحدة ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، ويد موسى ، وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين ، وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون . وقال آخرون في ذلك ما :
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدّث عن صفوان بن عسال ، قال : قال يهوديّ لصاحبه : اذهب بنا إلى النبيّ حتى نسأله عن هذه الاَية . ولَقَدْ آتَيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَيّناتٍ قال : لا تقل له نبيّ ، فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين ، قال : فسألا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لا تُشْركُوا بالله شَيْئا ، وَلا تَسْرقُوا ، وَلا تَزْنُوا ، وَلا تَقْتُلُوا النّفْسَ التي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وَلا تَسْحَرُوا ، وَلا تَأْكُلُوا الرّبا ، وَلا تَمْشُوا بَبريءٍ إلى ذي سُلْطانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً ، أو قال : لا تَفرّوا مِنَ الزّحْف » شعبة الشاكّ «وأنْتُمْ يا يَهُودُ عَلَيْكُمْ خاصّةً لا تَعْدُوا في السّبْت » فقبّلا يده ورجله ، وقالا : نشهد أنك نبيّ ، قال : «فما يمنعكما أن تسلما ؟ » قالا : إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبيّ ، وإنا نخشى أن تقتلنا يهود .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سهل بن يوسف وأبو داود وعبد الرحمن بن مهدي ، عن سعيد ، عن عمرو ، قال : سمعت عبد الله بن سلمة يحدّث عن صفوان بن عسال المرادي ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه ، إلا أن ابن مهديّ قال : «لا تَمْشُوا إلى ذي سُلْطانٍ » وقال ابن مهدي : أراه قال : «ببريء » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس وأبو أسامة بنحوه ، عن شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال ، قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبيّ ، فقال صاحبه : لا تقل نبيّ ، إنه لو سمعك كان له أربع أعين ، قال : فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسألانه عن تسع آيات بينات ، فقال : «هنّ : وَلا تُشْرِكُوا باللّهِ شَيْئا ، وَلا تَسْرِقُوا ، وَلا تَزْنُوا ، وَلا تَقْتُلُوا النّفْسَ التي حَرّمَ اللّهُ إلاّ بالحَقّ ، وَلا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلى ذِي سُلْطانٍ لِيَقْتُلَهُ ، وَلا تَسْحَرُوا ، وَلا تَأْكُلُوا الرّبا ، وَلا تَقْذِفُوا المُحْصَنَةَ ، وَلا تَوَلّوْا يَوْمَ الزّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خاصَةً يَهُودُ : أنْ لا تَعْدُوا في السّبْتِ » قال : فقبّلوا يديه ورجليه ، وقالوا : نشهد أنك نبيّ ، قال : «فَمَا يَمْنَعُكُمْ أنْ تَتّبِعُونِي ؟ » قالوا : إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبيّ ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا شعبة بن الحجاج ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسّال ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وأما قوله : فاسأَلْ بَنِي إسْرَائيلَ إذْ جاءَهُمْ فإن عامّة قرّاء الإسلام على قراءته على وجه الأمر بمعنى : فاسأل يا محمد بني إسرائيل إذ جاءهم موسى ورُوي عن الحسن البصري في تأويله ما :
حدثني به الحارث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن فأسأَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ قال : سؤالك إياهم : نظرك في القرآن .
ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك : «فَسَأَلَ » بمعنى : فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه على وجه الخبر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن حنظلة السّدوسيّ ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «فَسأَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جاءَهُمْ » يعني أن موسى سأل فرعونَ بني إسرائيل أن يرسلهم معه .
والقراءة التي لا أستجيز أن يُقرأ بغيرها ، هي القراءة التي عليها قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء على تصويبها ، ورغبتهم عما خالفهم .
وقوله : فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنَ إنّي لأَطُنّكَ يا مُوسَى مَسْحُورا يقول : فقال لموسى فرعونُ : إني لأظنك يا موسى تتعاطى علم السحر ، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك وقد يجوز أن يكون مرادا به إني لأظنك يا موسى ساحرا ، فوُضِع مفعول موضع فاعل ، كما قيل : إنك مشؤوم علينا وميمون ، وإنما هو شائم ويامن . وقد تأوّل بعضهم حجابا مستورا ، بمعنى : حجابا ساترا ، والعرب قد تخرج فاعلاً بلفظ مفعول كثيرا .