معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

قوله تعالى : { فرح المخلفون } . عن غزوة تبوك . والمخلف : المتروك { بمقعدهم } أي بقعودهم { خلاف رسول الله } ، قال أبو عبيدة : أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ساروا وأقاموا ، { وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر } ، وكانت غزوة تبوك في شدة الحر ، { قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون } ، يعلمون وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

{ 81 - 83 } { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ }

يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك ، الدال على عدم الإيمان ، واختيار الكفر على الإيمان .

{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ } وهذا قدر زائد على مجرد التخلف ، فإن هذا تخلف محرم ، وزيادة رضا بفعل المعصية ، وتبجح به .

{ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الأسف ، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه ، لما في قلوبهم من الإيمان ، ولما يرجون من فضل اللّه وإحسانه وبره وامتنانه .

{ وَقَالُوا } أي : المنافقون { لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ } أي : قالوا إن النفير مشقة علينا بسبب الحر ، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة .

وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال ، ويذهبه البكر{[378]} والآصال ، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره ، وهو النار الحامية .

ولهذا قال : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } لما آثروا ما يفنى على ما يبقى ، ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية ، إلى المشقة الشديدة الدائمة .


[378]:- في ب، عدلت الكلمة إلى البكور
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

وينتقل السياق - مرة أخرى - إلى الحديث عن المتخلفين عن رسول اللّه - [ ص ] - في غزوة تبوك :

( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه ، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه ، وقالوا : لا تنفروا في الحر . قل : نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون . فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون . فإن رجعك اللّه إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل : لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً . إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين . ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ، إنهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون . ولا تعجبك أموالهم وأولادهم ، إنما يريد اللّه أن يعذبهم بها في الدنيا ، وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) . .

هؤلاء الذين أدركتهم ثقلة الأرض . ثقلة الحرص على الراحة ، والشح بالنفقة . وقعد بهم ضعف الهمة وهزال النخوة ، وخواء القلب من الإيمان . . هؤلاء المخلفون - والتعبير يلقي ظل الإهمال كما لو كانوا متاعاً يخلف أو هملاًيترك - فرحوا بالسلامة والراحة ( خلاف رسول الله ) وتركوا المجاهدين يلاقون الحر والجهد ، وحسبوا أن السلامة العامة غاية يحرص عليها الرجال ! ( وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه )

( وقالوا : لا تنفروا في الحر ) وهي قولة المسترخي الناعم الذي لا يصلح لشيء مما يصلح له الرجال .

إن هؤلاء لهم نموذج لضعف الهمة ، وطراوة الإرادة ؛ وكثيرون هم الذين يشفقون من المتاعب ، وينفرون من الجهد ، ويؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم ، ويفضلون السلامة الذليلة على الخطر العزيز . وهم يتساقطون إعياء خلف الصفوف الجادة الزاحفة العارفة بتكاليف الدعوات . ولكن هذه الصفوف تظل في طريقها المملوء بالعقبات والأشواك ، لأنها تدرك بفطرتها أن كفاح العقبات والأشواك فطرة في الإنسان ، وأنه ألذ وأجمل من القعود والتخلف والراحة البليدة التي لا تليق بالرجال .

والنص يرد عليهم بالتهكم المنطوي على الحقيقة :

( وقالوا : لا تنفروا في الحر . قل : نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون ) .

فإن كانوا يشفقون من حر الأرض ، ويؤثرون الراحة المسترخية في الظلال . فكيف بهم في حر جهنم وهي أشد حراً ، وأطول أمداً ? وإنها لسخرية مريرة ، ولكنها كذلك حقيقة . فإما كفاح في سبيل اللّه فترة محدودة في حر الأرض ، وإما انطراح في جهنم لا يعلم مداه إلا اللّه :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

{ فرح المخلَّفون بمقعدهم خلاف رسول الله } بقعودهم عن الغزو خلفه يقال أقام خلاف الحي أي بعدهم ، ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة أو الحال . { وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } إيثارا للدعة والخفض على طاعة الله ، وفيه تعريض بالمؤمنين الذين آثروا عليها تحصيل رضاه ببذل الأموال والمهج . { وقالوا لا تنفروا في الحرّ } أي قال بعضهم لبعض أو قالوه للمؤمنين تثبيطا . { قل نار جهنم أشد حرّاً } وقد آثرتموها بهذه المخالفة . { لو كانوا يفقهون } أن مآبهم إليها ، أو أنها كيف هي ما اختاروها بإيثار الدعة على الطاعة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم وفي ضمنها وعيد ، وقوله { المخلفون } لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه وهذا أمكن في هذا من أن يقال المتخلفون ، ولم يفرح إلا منافق ، فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر{[5811]} ، و «مقعد » مصدر بمعنى القعود ، ومثله :

من كان مسروراً بمقتل مالك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5812]}

وقوله { خلاف } معناه بعد وأنشد أبو عبيدة في ذلك : [ الكامل ]

عقب الربيع خِلاَفُهمْ فكأنَّما*** بسط الشواطب بينهنَّ حصير{[5813]}

يريد بعدهم ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى*** تأهَّبْ لأخرى مثلَها فَكَأَنْ قدِ{[5814]}

وقال الطبري هو مصدر خالف يخالف .

قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا هو مفعول له ، والمعنى { فرح المخلفون بمقعدهم } لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مصدر ونصبه في القول الأول كأنه على الظرف ، وكراهيتهم «لما ذكر هي شح إذ لا يؤمنون بالثواب في سبيل الله فهم يظنون بالدنيا ، وقولهم { لا تنفروا في الحر } كان لأن غزوة تبوك كانت في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال ، قاله ابن عباس وكعب بن مالك والناس ، فأقيمت عليهم الحجة بأن قيل لهم فإذا كنتم تجزعون من حر القيظ فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فهمتم ، وقرأ ابن عباس وأبو حيوة » خلف «وذكرها يعقوب ولم ينسبها وقرىء » خُلف «بضم الخاء ، ويقوي قول الطبري أن لفظة » الخلاف «هي مصدر من خالف ما تظاهرت به الروايات من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنفر فعصوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين .

وقال محمد بن كعب : قال { لا تنفروا في الحر } رجل من بني سلمة .

وقال ابن عباس : قال رجل يا رسول الله الحر شديد فلا تنفر في الحر ، قال النقاش : وفي قراءة عبد الله » يعلمون «بدل { يفقهون } .


[5811]:-يريد الثلاثة الذي قال الله فيهم في الآية (118) من هذه السورة: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}، وسيأتي الحديث عنهم:
[5812]:- هذا صدر بيت، وهو بتمامه: من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار وقد سبق أن استشهد المؤلف بهذا البيت وبيت آخر بعده عند تفسير قوله تعالى في الآية (72) من سورة (آل عمران): {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره}.
[5813]:- البيت في (اللسان)، وقد نسبه للحارث بن خالد المخزومي، وذكر أن ابن بري أنشده للتدليل على أن [خلاف] في الآية بمعنى (بعد). والشواطب من النساء: اللواتي يشققن الخوص، ويقشرن العسب ليتخذن منه الحصر ثم يلقينها إلى المنقيات، والمنقية هي التي تأخذ كل شيء على العسيب بسكينها حتى تتركه رقيقا صالحا لعمل الحصر منه.
[5814]:- هذا ثاني بيتين، وأولهما: تمنى أناس أن أموت وإن أمت فتلك طريق لست فيها بأوحد وقد ذكره في اللسان غير منسوب، والرواية فيها (تهيأ) بدلا من (تأهب)، وفي "البحر" (وكأن) بدلا من (فكأن). ومثل هذا البيت والذي قبله قول مُزاحم العقيلي: وقد يفرط الجهل الفتى ثم يرعوي خلاف الصبا للجاهلين حلوم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

استئناف ابتدائي . وهذه الآية تشير إلى ما حصل للمنافقين عند الاستنفار لغزوة تبوك فيكون المراد بالمخلّفين خصوص من تخلّف عن غزوة تبوك من المنافقين .

ومناسبة وقوعها في هذا الموضع أنّ فرحهم بتخلّفهم قد قَوِي لمّا استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم وظنّوا أنّهم استغفلوه فقضَوا مأربهم ثم حصَّلوا الاستغفار ظنّاً منهم بأنّ معاملة الله إياهم تجري على ظواهر الأمور .

فالمخلَّفون هم الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم فأذِن لهم وكانوا من المنافقين فلذلك أطلق عليهم في الآية وصف المخلّفين بصيغة اسم المفعول لأنّ النبي خلَّفهم ، وفيه إيماء إلى أنّه ما أذن لهم في التخلّف إلاّ لعلمه بفساد قلوبهم ، وأنّهم لا يغنون عن المسلمين شيئاً كما قال : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً } [ التوبة : 47 ] .

وذكر فرحهم دلالة على نفاقهم لأنّهم لو كانوا مؤمنين لكان التخلّف نكداً عليهم ونغصاً كما وقع للثلاثة الذين خلّفوا فتاب الله عليهم .

والمَقْعد هنا مصدر ميمي أي بقعودهم .

و { خِلاَف } لغة في خَلْف . يقال : أقام خلاف الحي بمعنى بَعدهم ، أي ظعنوا ولم يظعن . ومن نكتة اختيار لفظ خلاف دون خَلْف أنّه يشير إلى أن قعودهم كان مخالفة لإرادة رسول الله حين استنفر الناس كلّهم للغزو . ولذلك جعله بعضُ المفسّرين منصوباً على المفعول له ، أي بمقعدهم لمخالفة أمر الرسول .

وكراهيتُهم الجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله خصلة أخرى من خصال النفاق لأنّ الله أمر بذلك في الآية المتقدمة { وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } [ التوبة : 41 ] الآية ، ولكونها خصلةً أخرى جُعلت جملتها معطوفة ولم تجعل مقترنة بلام التعليل مع أنّ فرحهم بالقعود سببه هو الكراهية للجهاد .

وقولُهم : { لا تنفروا في الحر } خطابُ بعضهم بعضاً وكانت غزوة تبوك في وقت الحرّ حين طابت الظلال .

وجملة : { قل نار جهنم أشد حراً } مستأنفة ابتدائية خطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود قرع أسماعهم بهذا الكلام .

وكونُ نار جهنّم أشدّ حرّاً من حرّ القيظ أمر معلوم لا يتعلّق الغرض بالإخبار عنه . فتعيّن أنّ الخبر مستعمل في التذكير بما هو معلوم تعريضاً بتجهيلهم لأنّهم حذروا من حرّ قليل وأقحموا أنفسهم فيما يصير بهم إلى حرّ أشدّ . فيكون هذا التذكير كناية عن كونهم واقعين في نار جهنّم لأجل قعودهم عن الغزو في الحرّ ، وفيه كناية عُرضية عن كونهم صائرين إلى نار جهنّم .

وجملة : { لو كانوا يفقهون } تتميم ، للتجهيل والتذكير ، أي يقال لهم ذلك لو كانوا يفقهون الذكرى ، ولكنّهم لا يفقهون ، فلا تجدي فيهم الذكرى والموعظة ، إذا ليس المراد لو كانوا يفقهون أنّ نار جهنم أشدّ حرّاً لأنّه لا يخفى عليهم ولو كانوا يفقهون أنّهم صائرون إلى النار ولكنّهم لا يفقهون ذلك .