غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

80

ثم ذكر نوعاً آخر من قبائح أفعالهم فقال { فرح المخلفون } قيل : إنهم احتالوا أن يتخلفوا وكان الأولى أن يقال فرح المتخلفون . وأجيب بأنهم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم وخلفهم بالمدينة في غزوة تبوك ، أو أريد خلفهم كسلهم ونفقاهم والشيطان ، أو المجاهدون لما لم يوافقوهم في القعود فكأنهم خلفوهم ، أو أطلق عليهم المخلفون باعتبار أنهم سيصيرون ممنوعين من الخروج في الآية الآتية { فإن رجعك الله } إلى قوله { ولن تقاتلوا معي عدواً } ومعنى { بمقعدهم } بقعودهم قاله مقاتل . أو بموضع قعودهم وهو المدينة قاله ابن عباس . ومعنى { خلاف رسول الله } صلى الله عليه وسلم مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار وأقاموا قاله قطرب والزجاج فانتصابه على أنه مفعول له أي قعد والأجل خلافه أو على الحال مثل «فأرسلها العراك » أي مخالفين له ، وقال الأخفش ويونس : الخلاف بمعنى الخلف أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن جهة الأمام التي يقصدها الإنسان يخالفها جهة الخلف { وكرهوا أن يجاهدوا } كيف لا يكرهون وليس فيهم باعث الإيمان وداعي الإخلاص ومعهم صارف الكفر والنفاق ؟ وفيه تعريض بالمؤمنين الباذلين أموالهم وأرواحهم في الله المؤثرين ذلك على الدعة والخفض . واعلم أن الفرح بالإقامة يدل على كراهية الذهاب إلا أنه صريح بذلك للتوكيد ، ولعل المراد أنه مال طبعهم إلى الإقامة لإلفهم بالبلد واستئناسهم بالأهل والولد ، وكرهوا الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والإهدار . { قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون } أن بعد هذه الدار دار أخرى وبعد هذه الحياة حياة أخرى . وهذه المشقة منقضية سهلة وتلك باقية صعبة ولبعضهم وكأنه صاحب الكشاف :

مسرة أحقاب تلقيت بعدها *** مساءة يوم أنها شبه أنصاب

فكيف بأن تلقى مسرة ساعة *** وراء تقضيها مساءة أحقاب

وفي هذا استجهال عظيم لهم .

/خ89