تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

وقوله تعالى : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ) الآية جمعوا ؛ أعني المنافقين جميع خصال الشر التي فعلوا :

أحدها : ما ذكر من فرحهم بالتخلف عن رسول .

والثاني كراهتهم الجهاد مع رسول الله وبخلهم بأموالهم .

والثالث : صدهم الناس عن الجهاد والخروج في سبيل الله بقولهم : ( لا تنفروا في الحر ) جمع الله جميع خصال المنافقين في هذه الآية .

وقوله تعالى : ( فرح المخلفون ) ذكر المخلفين[ في الأصل المخلفون ] وهم كانوا متخلفين في الحقيقة ، لكنه يحتمل وجهين ][ هنا ينتهي النقص من م الذي أشرنا إلى بدايته في بدء تفسير الآية74 من السورة . . . قال بعض أهل التأويل . . . قال يوما[ ( 2 ) والله لئن . . ص431 ، انظر الحاشية الثانية فيها ] :

[ أحدهما : هم ][ ساقطة من الأصل وم ] مخلفون ؛ خلفهم الله لما ذكر أن خروجهم لا يزيدهم ( إلا خبالا ) وأنهم يبغون ( الفتنة )[ التوبة47 ] خلفهم الله عن ذلك بقوله[ في الأصل وم : كقوله ] ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم )[ التوبة : 46 ] قيل : حبسهم .

فعلى ذلك [ هم ][ ساقطة من الأص وم ] مخلفون ؛ خلفهم الله [ لما علم أن خروجهم لا يزيدهم ( إلا خبالا )[ التوبة : 47 ] وفسادا .

[ والثاني : يحتملهم ][ في م : ويحتمل ، ساقطة من الأصل ] مخلفون ؛ خلفهم أصحاب رسول الله لأنهم لو أرادوا أن يخرجوهم كرها لقدروا على ذلك ، فهم كالمخلفين من هذا الوجه لما لو أرادوا إخراجهم أخرجوهم ، وإن كانوا[ في الأصل وم : كان ] متخلفين في الحقيقة .

وقوله تعالى : ( بمقعدهم خلاف رسول الله ) أي مخالفة رسول الله . وقرئ خَلْفَ رسول الله[ انظر معجم القراءات القرآنية3/34 ] أي فرحوا بقعودهم بعد خروج رسول الله .

وقوله تعالى : ( بمقعدهم ) يحتمل القعود أي بقعودهم خلفهم ، ويحتمل ( بمقعدهم ) أي موضع قعودهم وهو منازلهم وأوطانهم ، ( وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم ) بخلهم وخلافهم الذي في قلوبهم .

وقوله تعالى : ( لا تنفروا في الحر )/219-ب/ هذا في الظاهر يخرج على إظهار الشفة للمؤمنين ، ولكن [ لم يكونوا ][ من م ، في الأصل : لا يكن ] أرادوا ، إنما أرادوا حبسهم عن الخروج في سبيل الله ، لكن المؤمنين لا يمتنعون عن لخروج إلى الغزو وكانوا يحتالون في منعهم المؤمنين عن الخروج في سبيل الله ولو أطلقوا القول في المنع وصرحوه ، لفهم المؤمنون[ في الأصل وم : المؤمنين ] ذلك ، ويظهر نفاقهم .

وجائز أن يكون قولهم ( لا تنفروا في الحر ) قالوا ذلك لأتباعهم لا للمؤمنين كقولهم ( وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى )[ آل عمران : 156 ] .

وقوله تعالى : ( نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) أي لو كانوا يفقهون ما أنزل على رسول الله لعلموا أن نار جهنم أشد حرا من حر الدنيا ، أو لو كانوا يفقهون أنهم لم يخلقوا في الدنيا للدنيا خاصة ، ولكن خلقهم فيها ليمتحنهم ، ليعلموا أن الموعود في الآخرة أشد مما امتحنوا في الدنيا .