الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

قوله تعالى : { بِمَقْعَدِهِمْ } : متعلقٌ ب " فرح " ، وهو يصلح لمصدر قعد وزمانِه ومكانِه ، والمرادُ به ههنا المصدرُ ، أي : بقعودهم وإقامتها بالمدينة .

قوله : { خِلاَفَ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه منصوبٌ على المصدر بفعلٍ مقدرٍ مدلولٍ عليه بقوله : " مَقْعدهم " ، لأنه في معنى تخلَّفوا ، أي : تخلفوا خلاف رسول الله . الثاني : أنَّ " خلاف " مفعولٌ من أجله ، والعامل فيه : إمَّا فرح ، وإما مَقْعد ، أي : فَرِحوا لأجل مخالفتهم رسول الله حيث مضى هو للجهاد وتَخَلَّفوا هم عنه ، أو بقعودِهم لمخالفَتهم له ، وإليه ذهب الطبري والزجاج ومؤرِّج ، ويؤيد ذلك قراءةُ منْ قرأ " خُلْف " بضم الخاءِ وسكون اللام ، والثالث : أنْ ينتصب على الظرف ، أي : بعد رسول الله . يُقال : " أقام زيد خلاف القوم " ، أي : تخلف بعد ذهابهم ، و " خلافَ " يكون ظرفاً قال :

2520 عَقَبَ الربيعُ خِلافَهُمْ فكأنما *** بَسَطَ الشَّواطِبُ بينهن حصيرا

وقال الآخر :

2521 فقلْ للذي يَبْقى خِلاَفَ الذي مَضَى *** تَهَيَّأْ لأُِخْرى مِثلها وكأنْ قَدِ

وإليه ذهب أبو عبيدة وعيسى بن عمر والأخفش ، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس وأبي حيوة وعمرو بن ميمون " خَلْفَ " بفتح الخاء وسكون اللام .