معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

قوله تعالى : { يرثني ويرث من آل يعقوب } ، قرأ أبو عمرو ، والكسائي : بجزم الثاء فيهما ، على جواب الدعاء ، وقرأ الآخرون بالرفع على الحال والصفة ، أي : ولياً وارثاً . واختلفوا في هذا الإرث ، قال الحسن : معناه يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة . وقيل : أراد ميراث النبوة والعلم . وقيل : أراد إرث الحبورة ، لأن زكريا كان على رأس الأحبار . قال الزجاج : والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرثه بنو عمه ماله . والمعنى : إنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء ، فسأل ربه ولياً صالحاً يأمنه على أمته ، ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين . وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما . { واجعله رب رضياً } ، أي براً تقياً مرضياً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

ولهذا قال : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ْ }

أي : عبدا صالحا ترضاه وتحببه إلى عبادك ، والحاصل أنه سأل الله ولدا ، ذكرا ، صالحا ، يبق بعد موته ، ويكون وليا من بعده ، ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه ، وهذا أفضل ما يكون من الأولاد ، ومن رحمة الله بعبده ، أن يرزقه ولدا صالحا ، جامعا لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم . فرحمه ربه واستجاب دعوته فقال : { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

ذلك ما يخشاه . فأما ما يطلبه فهو الولي الصالح ، الذي يحسن الوراثة ، ويحسن القيام على تراثه وتراث النبوة من آبائه وأجداده : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) .

ولا ينسى زكريا ، النبي الصالح ، أن يصور أمله في ذلك الوريث الذي يرجوه في كبرته : ( واجعله رب رضيا )لا جبارا ولا غليظا ، ولا متبطرا ولا طموعا . ولفظة( رضي )تلقي هذه الظلال . فالرضي الذي يرضى ويرضي . وينشر ظلال الرضى فيما حوله ومن حوله .

ذلك دعاء زكريا لربه في ضراعة وخفية . والألفاظ والمعاني والإيقاع الرخي . كلها تشارك في تصوير مشهد الدعاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

{ يرثني ويرث من آل يعقوب } صفتان له وجزمهما أبو عمرو والكسائي على أنهما جواب الدعاء ، والمراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورثون المال . وقيل يرثني الحبورة فإنه كان حبرا ، ويرث من آل يعقوب الملك ، وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام . وقيل يعقوب كان أخا زكريا أو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليه السلام . وقرئ " يرثني وارث آل يعقوب " على الحال من أحد الضميرين ، وأو " يرث " بالتصغير لصغره ووارث من آل يعقوب على أنه فاعل يرثني وهذا يسمى التجريد في علم البيان لأنه جرد عن المذكور أولا مع أنه المراد { واجعله رب رضيا } ترضاه قولا وعملا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

ثم وصف الولي بالصفة التي هي قصده وهو أن يكون وارثاً . وقالت فرقة : بل طلب الولد ثم شرط أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه تحفظاً من أن تقع الإجابة في الولد لكن يخترم{[7919]} فلا يتحصل منه الغرض المقصود .

وقرأ الجمهور «ويرثُني » برفع الفعلين على معنى الصفة للولي وقرأ أبو عمرو والكسائي «يرثْني ويرثْ » بجزم الفعلين ، وهذا على مذهب سيبويه ليس هو جواب «هبْ » إنما تقديره «إن تهبه يرثْني » والأول أصوب في المعنى لأنه طلب وارثاً موصوفاً ، ويضعف الجزم أنه ليس كل موهوب يرث .

وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما «يرثني وارث من آل يعقوب » ، قال أبو الفتح هذا هو التجريد ، التقدير : يرثني منه أو به وارث{[7920]} ، وقرأ مجاهد «يرثَني ويرثَ » بنصب الفعلين ، وقرأت فرقة «يرثني أو يرث من آل يعقوب » على التصغير . وقوله من { آل يعقوب } يريد يرث منهم الحكمة والحبورة والعلم والنبوءة والميراث في هذه كلها استعارة و { رضياً } معناه مرضي فهو فعيل بمعنى مفعول .


[7919]:اخترمته المنية: أخذته. وخرم الوباء القوم واخترمهم: استأصلهم وأفناهم.
[7920]:قال أبو الفتح: "وهو الوارث نفسه، فكأنه جرد منه وارثا، ومثله قوله تعالى: {لهم فيها دار الخلد}، فهي نفسها دار الخلد، فكأنه جرد من الدار دارا".