إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

وقوله تعالى : { يرثني } صفةٌ لولياً ، وقرئ هو وما عطف عليه بالجزم جواباً للدعاء ، أي يرثني من حيث العلمُ والدينُ والنبوةُ فإن الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام لا يورِّثون المالَ ، قال صلى الله عليه وسلم : « نحن معاشرَ الأنبياءِ لا نورَث ، ما تركنا صدقةٌ » وقيل : يرثني الحُبورة وكان عليه السلام حِبْراً .

{ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } يقال : ورِثه وورِث منه لغتان ، وآلُ الرجل خاصّته الذين يؤُول إليه أمرُهم للقرابة أو الصُّحبة أو الموافقة في الدين ، وكانت زوجةُ زكريا أختَ أمِّ مريمَ ، أي ويرث منهم الملكَ ، قيل : هو يعقوبُ بنُ إسحاقَ بن إبراهيمَ عليهم الصلاة والسلام ، وقال الكلبي ومقاتل : هو يعقوبُ بنُ ماثانَ أخو عمرانَ بنِ ماثان من نسل سليمانَ عليه السلام ، وكان آلُ يعقوب أخوالَ يحيى بنِ زكريا ، قال الكلبي : كان بنو ماثانَ رؤوسَ بني إسرائيلَ وملوكَهم ، وكان زكريا رئيسَ الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولدُه حبورتَه ويرثَ من بني ماثان ملكَهم ، وقرئ ويرث وارثَ آلِ يعقوب على أنه حالٌ من المستكن في يرث ، وقرئ أو يرث آل يعقوب بالتصغير ففيه إيماءٌ إلى وراثته عليه السلام لما يرثه في حالة صِغَره ، وقرئ وارثٌ من آل يعقوب على أنه فاعلُ يرثني على طريقة التجريد أي يرثني به وارثٌ ، وقيل : من للتبعيض إذ لم يكن كلُّ آل يعقوبَ عليه السلام أنبياءَ ولا علماءَ { واجعله رَبّ رَضِيّاً } مرضياً عندك قولاً وفعلاً ، وتوسيطُ ربِّ بين مفعولي اجعَلْ للمبالغة في الاعتناء بشأن ما يستدعيه .