السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

{ يرثني } في جميع ما أنا فيه من العلم والنبوّة والعمل { ويرث } زيادة على ذلك { من آل يعقوب } جزءاً مما خصصتهم به من المنح وفضلتهم به من النعم ومحاسن الأخلاق ومعالي الشيم فإن الأنبياء لا يورثون المال ، وقيل : يرثني الحبورة أي : العلم بتحبير الكلام وتحسينه فإنه كان حبراً هو بالفتح والكسر وهو أفصح ، يقال : للعالم بتحبير الكلام وتحسينه وهو يعقوب بن إسحاق عليهما السلام .

وقيل : يرثني العلم ويرث من آل يعقوب النبوّة ولفظ الإرث يستعمل في المال وفي العلم والنبوّة ، أما في المال فلقوله تعالى : { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } [ الأحزاب ، 27 ] ، وأما في النبوة فلقوله تعالى : { وأورثنا بني إسرائيل الكتاب } [ غافر ، 53 ] الآية ، وقال صلى الله عليه وسلم : «العلماء ورثة الأنبياء » ولأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما يورثون العلم وخص اسم يعقوب اقتداء به نفسه إذ قال ليوسف عليه السلام : { ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب } [ يوسف ، 6 ] ولأن إسرائيل قد صار علماً على الأسباط كلهم وكانت قد غلبت عليهم الأحداث ، وقرأ أبو عمرو والكسائي بجزم الثاء المثلثة فيهما على أنهما جواب الأمر إذ تقديرهما إن تهب يرث والباقون بالضم فيهما على أنهما صفة واعتراض بأن زكريا دعا اللّه تعالى أن يهبه ولداً يرثه مع أن يحيى قتل قبله فلم يجبه إلى أرثه منه وأجيب : بأن إجابة دعاء الأنبياء غالبة لا لازمة فقد يتخلف لقضاء اللّه تعالى بخلافه كما في دعاء إبراهيم عليه السلام في حق أبيه وكما في دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله : «وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها » ، ولما كان من قضاء اللّه تعالى وقدره أن يوجد يحيى نبياً صالحاً ثم يقتل استجيب دعاء زكريا في إيجاده دون إرثه . ولما ختم دعاءه بقوله : { واجعله رب } أي : أيها المحسن إليّ { رضياً } أي : مرضياً عندك ، أجابه اللّه تعالى بقوله تعالى : { يا زكريا إنا نبشرك بغلام } .