من قرأ { يرثني ويرث } بالجزم فيهما فهو جواب الدعاء ، ومن قرأ برفعهما فالأكثرون ومنهم جار الله قالوا : إنه صفة . وقال صاحب المفتاح : الأولى حمله على الاستئناف كأنه قيل : لم تطلب الولد ؟ فقال مجيباً : يرثني أي لأنه يرثني لئلا يلزم منه أنه لم يوهب من وصف لهلاك يحيى قبل زكريا . واعترض بأن حمله على الاستئناف يوجب الإخبار عما لم يقع ، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم . أمنع من كونه غير مستجاب الدعوة . وأجيب بأن عدم ترتب الغرض من طلب الولد لا يوجب الكذب . وأقول : الاعتراض باق لأن المعنى يؤول إلى قولنا " هب لي ولياً موصوفاً بالوراثة " أو بأن الغرض منه الوراثة ، أوهب لي ولياً أخبر عنه بأنه يرثني . وعلى التقادير يلزم عدم الاستجابة أو الكذب . والحق في الجواب هو ما سلف لنا في قصة زكريا من سورة آل عمران ، أن النبي لا يطلب في الدعاء إلا الأصلح حتى لو كان الأصلح غير ما طلبه فصرفه الله تعالى عنه كان المصروف إليه هو بالحقيقة مطلوبه . ويمكن أن يقال : لعل الوراثة قد تحققت من يحيى وإن قتل قبل زكريا ، وذلك بأن يكون قد تلقى منه كتاب أو شرع هو المقصود من وجود يحيى وبقى ذلك الكتاب أو الشرع معمولاً به بعد زكريا أيضاً إلى حين . وقد روى صاحب الكشاف ههنا قراآت شاذة لا فائدة كثيرة في تعدادها إلى قوله عن علي وجماعة وأرث من آل يعقوب أي يرثني به وارث ويسمى التجريد في علم البيان . فقيل : هو أن تجرد الكلام عن ذكر الأول حتى تقول " جاءني فلان فجاءني رجل " لا تريد به إلا الأول ، ولذلك تذكر اسمه في الجملة الثانية ، وتجرد الكلام عنه . وأقول : يشبه أن يكون معنى التجريد هو أنك تجرده عن جميع الأوصاف المنافية للرجولية . وكذا في الآية كأنه جرده عن منافيات الوارثية بأسرها .
واختلف المفسرون في أنه طلب ولداً يرثه أو طلب من يقوم مقامه ولداً كان أو غيره ؟ والأول أظهر لقوله في آل عمران { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } [ آل عمران : 38 ] ولقوله في سورة الأنبياء { ربي لا تذرني فرداً } [ الأنبياء : 89 ] حجة المخالف أنه لما بشر بالولد استعظم وقال { أنى يكون لي غلام } ولو كان دعاؤه لأجل الولد ما استعظم ذلك . والجواب ما مر في آل عمران . واختلفوا أيضاً في الوراثة فعن ابن عباس والحسن والضحاك : هي وراثة المال . وعنهم أيضاً أن المراد يرثني المال ويرث من آل يعقوب النبوّة أو بالعكس . وفي رواية أبي صالح أن المراد في الموضعين النبوّة . فلفظ الإرث مستعمل في المال { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } [ الأحزاب : 17 ] وفي العلم { وأورثنا بني إسرائيل الكتاب } [ غافر : 53 ] " العلماء ورثة الأنبياء " وحجة الأولين ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله زكريا وما عليه من يرثه " فإن ظاهره يدل على أنه أراد بالوراثة المال . وكذا قوله صلى الله عليه وسلم " أنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " ، وأيضاً العلم والنبوة كيف يحصل بالميراث ولو كان المراد إرث النبوّة إلى قوله : { واجعله رب رضياً } لأن النبي لا يكون إلا مرضياً . وأجيب بأنه إذا كان المعلوم من حال الابن أنه يصير نبياً بعده فيقوم بأمر الدين جاز أن يقال ورثه . والمراد يكون رضياً أن لا يوجد منه معصية ولا همّ بها كما جاء في حق يحيى ، وقد مر الحديث هناك . ولا يلزم من هذا أن يكون يحيى مفضلاً على غيره من الأنبياء كلهم فلعل لبعضهم فضائل أخر تختص به . احتجت الأشاعرة بالآية في مسألة خلق الأعمال ، وأجابت المعتزلة بأنه يفعل به ضروب الألطاف فيختار ما يصير مرضياً عنده ، وزيف بأن ارتكاب المجاز على خلاف الأصل ، وبأن فعل الألطاف واجب على الله فطلب ذلك بالدعاء والتضرع عبث . واعلم أن أكثر المفسرين على أن يعقوب المذكور في الآية هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم لأن زوجة زكريا كانت من ولد سليمان بن داود من ولد يهودا بن بعقوب ، وأما زكريا فقد كان من ولد هرون أخي موسى وهرون وموسى ولد لاوى بن يعقوب بن إسحق ، وكانت النبوّة في سبط وهو إسرائيل عليه السلام . وزعم بعض المفسرين أن المراد هو يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان وهذا قول الكلبي ومقاتل . وعن مقاتل : أن بني ماثان كانوا رؤوس بني إسرائيل وملوكها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.