غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

1

من قرأ { يرثني ويرث } بالجزم فيهما فهو جواب الدعاء ، ومن قرأ برفعهما فالأكثرون ومنهم جار الله قالوا : إنه صفة . وقال صاحب المفتاح : الأولى حمله على الاستئناف كأنه قيل : لم تطلب الولد ؟ فقال مجيباً : يرثني أي لأنه يرثني لئلا يلزم منه أنه لم يوهب من وصف لهلاك يحيى قبل زكريا . واعترض بأن حمله على الاستئناف يوجب الإخبار عما لم يقع ، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم . أمنع من كونه غير مستجاب الدعوة . وأجيب بأن عدم ترتب الغرض من طلب الولد لا يوجب الكذب . وأقول : الاعتراض باق لأن المعنى يؤول إلى قولنا " هب لي ولياً موصوفاً بالوراثة " أو بأن الغرض منه الوراثة ، أوهب لي ولياً أخبر عنه بأنه يرثني . وعلى التقادير يلزم عدم الاستجابة أو الكذب . والحق في الجواب هو ما سلف لنا في قصة زكريا من سورة آل عمران ، أن النبي لا يطلب في الدعاء إلا الأصلح حتى لو كان الأصلح غير ما طلبه فصرفه الله تعالى عنه كان المصروف إليه هو بالحقيقة مطلوبه . ويمكن أن يقال : لعل الوراثة قد تحققت من يحيى وإن قتل قبل زكريا ، وذلك بأن يكون قد تلقى منه كتاب أو شرع هو المقصود من وجود يحيى وبقى ذلك الكتاب أو الشرع معمولاً به بعد زكريا أيضاً إلى حين . وقد روى صاحب الكشاف ههنا قراآت شاذة لا فائدة كثيرة في تعدادها إلى قوله عن علي وجماعة وأرث من آل يعقوب أي يرثني به وارث ويسمى التجريد في علم البيان . فقيل : هو أن تجرد الكلام عن ذكر الأول حتى تقول " جاءني فلان فجاءني رجل " لا تريد به إلا الأول ، ولذلك تذكر اسمه في الجملة الثانية ، وتجرد الكلام عنه . وأقول : يشبه أن يكون معنى التجريد هو أنك تجرده عن جميع الأوصاف المنافية للرجولية . وكذا في الآية كأنه جرده عن منافيات الوارثية بأسرها .

واختلف المفسرون في أنه طلب ولداً يرثه أو طلب من يقوم مقامه ولداً كان أو غيره ؟ والأول أظهر لقوله في آل عمران { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } [ آل عمران : 38 ] ولقوله في سورة الأنبياء { ربي لا تذرني فرداً } [ الأنبياء : 89 ] حجة المخالف أنه لما بشر بالولد استعظم وقال { أنى يكون لي غلام } ولو كان دعاؤه لأجل الولد ما استعظم ذلك . والجواب ما مر في آل عمران . واختلفوا أيضاً في الوراثة فعن ابن عباس والحسن والضحاك : هي وراثة المال . وعنهم أيضاً أن المراد يرثني المال ويرث من آل يعقوب النبوّة أو بالعكس . وفي رواية أبي صالح أن المراد في الموضعين النبوّة . فلفظ الإرث مستعمل في المال { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } [ الأحزاب : 17 ] وفي العلم { وأورثنا بني إسرائيل الكتاب } [ غافر : 53 ] " العلماء ورثة الأنبياء " وحجة الأولين ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " رحم الله زكريا وما عليه من يرثه " فإن ظاهره يدل على أنه أراد بالوراثة المال . وكذا قوله صلى الله عليه وسلم " أنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " ، وأيضاً العلم والنبوة كيف يحصل بالميراث ولو كان المراد إرث النبوّة إلى قوله : { واجعله رب رضياً } لأن النبي لا يكون إلا مرضياً . وأجيب بأنه إذا كان المعلوم من حال الابن أنه يصير نبياً بعده فيقوم بأمر الدين جاز أن يقال ورثه . والمراد يكون رضياً أن لا يوجد منه معصية ولا همّ بها كما جاء في حق يحيى ، وقد مر الحديث هناك . ولا يلزم من هذا أن يكون يحيى مفضلاً على غيره من الأنبياء كلهم فلعل لبعضهم فضائل أخر تختص به . احتجت الأشاعرة بالآية في مسألة خلق الأعمال ، وأجابت المعتزلة بأنه يفعل به ضروب الألطاف فيختار ما يصير مرضياً عنده ، وزيف بأن ارتكاب المجاز على خلاف الأصل ، وبأن فعل الألطاف واجب على الله فطلب ذلك بالدعاء والتضرع عبث . واعلم أن أكثر المفسرين على أن يعقوب المذكور في الآية هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم لأن زوجة زكريا كانت من ولد سليمان بن داود من ولد يهودا بن بعقوب ، وأما زكريا فقد كان من ولد هرون أخي موسى وهرون وموسى ولد لاوى بن يعقوب بن إسحق ، وكانت النبوّة في سبط وهو إسرائيل عليه السلام . وزعم بعض المفسرين أن المراد هو يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان وهذا قول الكلبي ومقاتل . وعن مقاتل : أن بني ماثان كانوا رؤوس بني إسرائيل وملوكها .

/خ15