ومن امتناعهم من قبول أحكام كتابهم وهو التوراة ، حتى رفع الطور من فوق رءوسهم وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا أسقط عليهم ، فقبلوا ذلك على وجه الإغماض والإيمان الشبيه بالإيمان الضروري .
ومن امتناعهم من دخول أبواب القرية التي أمروا بدخولها سجدا مستغفرين ، فخالفوا القول والفعل . ومن اعتداء من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم الله تلك العقوبة الشنيعة .
( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم . وقلنا لهم : ادخلوا الباب سجدا . وقلنا لهم : لا تعدوا في السبت . وأخذنا منهم ميثاقا غليظًا )
ولكن اليهود الذين لا تستشعر قلوبهم الإيمان أبوا الاستسلام لما في الألواح . . وهنا جاءهم القهر المادي الذي يناسب طبيعتهم الغليظة . إذ نظروا فرأوا الصخرة معلقة فوق رؤوسهم ؛ تهددهم بالوقوع عليهم ؛ إذا هم لم يستسلموا ولم يتعهدوا بأخذ ما أعطاهم الله من العهد ؛ وما كتب عليهم من التكاليف في الألواح . . عندئذ فقط استسلموا ؛ وأخذوا العهد ؛ وأعطوا الميثاق . . ميثاقا غليظا . . مؤكدا وثيقا . . يذكره - بهذه الصفة - ليتناسق المشهد مع غلظ الصخر المرفوع فوقهم ، وغلظ القلب الذي في صدورهم ، ثم يعطي - إلى جانب التناسق معنى الجسامة والوثاقة والمتانة على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير ، وبالتخييل الحسي والتجسيم .
وكان في هذا الميثاق : أن يدخلوا بيت المقدس سجدا . وأن يعظموا السبت الذي طلبوا أن يكون لهم عيدا .
{ ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } بسبب ميثاقهم ليقبلوه . { وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا } على لسان موسى والطور مظل عليهم . { وقلنا لهم لا تعدوا في السبت } على لسان داود عليه الصلاة والسلام ، ويحتمل أن يراد على لسان موسى حين ظلل الجبل عليهم ، فإنه شرع السبت ولكن كان الاعتداء فيه والمسخ به في زمن داود عليه الصلاة والسلام ، وقرأ ورش عن نافع { لا تعدوا } على أن أصله لا تتعدوا فأدغمت التاء في الدال ، وقرأ قالون بإخفاء حركة العين وتشديد الدال والنص عنه بالإسكان . { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } على ذلك وهو قولهم سمعنا وأطعنا .
{ الطور } الجبل اسم جنس ، هذا قول ، وقيل { الطور } : كل جبل غير منبت ، وبالشام جبل قد عرف بالطور ولزمه الاسم وهو طور سيناء ، وليس بالمرفوع على بني إسرائيل ، لأن رفع الجبل كان فيما يلي فحص التيه من جهة ديار مصر ، وهم ناهضون مع موسى عليه السلام ، وقد تقدم في سورة البقرة قصص رفع الطور ، وقوله { بميثاقهم } أي بسبب ميثاقهم أن يعطوه في أخذ الكتاب بقوة والعمل بما فيه ، وقوله تعالى : { وقلنا لهم ادخلوا الباب سجَّداً } هو باب بيت المقدس المعروف بباب حطة ، أمروا أن يتواضعوا شكراً لله تعالى على الفتح الذي منحهم في تلك البلاد ، وأن يدخلوا باب المدينة سجَّداً . وهذا نوع من سجدة الشكر التي قد فعلها كثير من العلماء ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان مالك بن أنس رحمه الله لا يراها . وقوله تعالى { وقلنا لهم لا تعدوا في السبت } أي على الحيتان وفي سائر الأعمال وهؤلاء كانوا بأيلة من ساحل البحر فأمروا بالسكون عن كل شغل في يوم السبت فلم يفعلوا ، بل اصطادوا وتصرفوا ، وقد تقدم قصص ذلك ، وأخذ الله تعالى منهم «الميثاق الغليظ » هو على لسان موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء ، أي بأنهم يأخذون التوراة بقوة ، ويعملون بجميع ما فيها ، ويوصلونه إلى أبنائهم ويؤدون الأمانة فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.