معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

قوله تعالى : { قل أغير الله أبغي رباً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : سيداً وإلهاً .

قوله تعالى : { وهو رب كل شيء } ، وذلك أن الكفار كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى ديننا . قال ابن عباس : كان الوليد بن المغيرة يقول : اتبعوا سبيلي أحمل عنكم أوزاركم .

قوله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } ، لا تجني كل نفس إلا ما كان من إثمه على الجاني .

قوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ، أي لا تحمل نفس حمل أخرى ، أي : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره .

قوله تعالى : { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

{ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ } من المخلوقين { أَبْغِي رَبًّا } أي : يحسن ذلك ويليق بي ، أن أتخذ غيره ، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء ، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته ، منقادون لأمره ؟ " .

فتعين علي وعلى غيري ، أن يتخذ الله ربا ، ويرضى به ، وألا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين .

ثم رغب ورهب بذكر{[307]}  الجزاء فقال : { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشر { إِلَّا عَلَيْهَا } كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا }

{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } بل كل عليه وزر نفسه ، وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره ، فإن عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء .

{ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ } يوم القيامة { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من خير وشر ، ويجازيكم على ذلك ، أوفى الجزاء .


[307]:- في ب: بذلك.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

154

( قل : أغير الله أبغي ربا ، وهو رب كل شيء ، ولا تكسب كل نفس إلا عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ؟ ) . .

كلمة تتقصى السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن ؛ وتشتمل كل مخلوق مما يعلم الإنسان ومما يجهل ؛ وتجمع كل حادث وكل كائن في السر والعلانية . . ثم تظللها كلها بربوبية الله الشاملة لكل كائن في هذا الكون الهائل ؛ وتعبدها كلها لحاكمية الله المطلقة عقيدة وعبادة وشريعة

ثم تعجب في استنكار :

( أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ) ؟

أغير الله أبغي ربا يحكمني ويصرف أمري ويهيمن علي ويقومني ويوجهني ؟ وأنا مأخوذ بنيتي وعملي ، محاسب على ما أكسبه من طاعة ومعصية ؟

أغير الله أبغي ربا . وهذا الكون كله في قبضته ؛ وأنا وأنتم في ربوبيته ؟

أغير الله أبغي ربا وكل فرد مجزي بذنبه لا يحمله عنه غيره ؟ ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ؟ ) . .

أغير الله أبغي ربا وإليه مرجعكم جميعاً فيحاسبكم على ما كنتم تختلفون فيه ؟

أغير الله أبغي ربا ، وهو الذي استخلف الناس في الأرض ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات في العقل والجسم والرزق ؛ ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون ؟

أغير الله أبغي ربا ، وهو سريع العقاب ، غفور رحيم لمن تاب ؟

أغير الله أبغي ربا ، فأجعل شرعه شرعاً ، وأمره أمراً ، وحكمه حكماً . وهذه الدلائل والموحيات كلها حاضرة ؛ وكلها شاهدة ؛ وكلها هادية إلى أن الله وحده هو الرب الواحد المتفرد ؟ ؟ ؟

إنها تسبيحة التوحيد الرخية الندية ؛ يتجلى من خلالها ذلك المشهد الباهر الرائع . مشهد الحقيقة الإيمانية ، كما هي في قلب رسول الله [ ص ] وهو مشهد لا يعبر عن روعته وبهائه إلا التعبير القرآني الفريد . .

إنه الإيقاع الأخير في السياق الذي استهدف قضية الحاكمية والشريعة ؛ يجيء متناسقاً مع الإيقاعات الأولى في السورة ، تلك التي استهدفت قضية العقيدة والإيمان ؛ من ذلك قوله تعالى : ( قل : أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض ، وهو يطعم ولا يطعم ؟ قل : إني أمرت أن أكون أول من أسلم ، ولا تكونن من المشركين . قل : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ، وذلك الفوز المبين ) . . . وغيرها في السورة كثير .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

{ قل أغير الله أبغي ربا } فأشركه في عبادتي وهو جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم . { وهو رب كل شيء } حال في موضع العلة للإنكار والدليل له أي وكل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية . { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } فلا ينفعني في ابتغاء رب غيره ما أنتم عليه من ذلك . { ولا تز وازرة وزر أخرى } جواب عن قولهم : { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } . { ثم إلى ربكم مرجعكم } يوم القيامة . { فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } بتبيين الرشد من الغي وتمييز المحق من المبطل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع يا محمد إلى ديننا واعبد آلهتنا واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك ، فنزلت هذه الآية ، وهي استفهام يقتضي التقرير والتوقيف والتوبيخ ، و { أبغي } معناه أطلب ، فكأنه قال : أفيحسن عندكم أن أطلب إلهاً غير الله الذي هو رب كل شيء ؟ وما ذكرتم من كفالتكم لا يتم لأن الأمر ليس كما تظنونه ، وإنما كسب كل نفس من الشر والإثم عليها وحدها { ولا تزر } أي لا تحمل وازرة أي حاملة ِحمل أخرى وثقلها ، والوزر أصله الثقل ، ثم استعمل في الإثم لأنه ينقض الظهر تجوزاً واستعارة ، يقال منه : وزر الرجل يزر فهو وازر ووزر يوزر فهو موزور ، وقوله { ثم إلى ربكم مرجعكم } تهديد ووعيد { فينبئكم } أي فيعلمكم أن العقاب على الاعوجاج تبيين لموضع الحق ، وقوله { بما كنتم فيه تختلفون } يريد على ما حكى بعض المتأولين من أمري في قول بعضكم هو ساحر وبعضكم هو شاعر . وبعضكم افتراه ، وبعضكم إكتتبه ، ونحو هذا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يحسن في هذا الموضع وإن كان اللفظ يعم جميع أنواع الاختلافات من الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك .