فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

{ قل أغير الله } الاستفهام للانكار وهو جواب على المشركين لما دعوه إلى عبادة غيره سبحانه أي كيف { أبغي } غير الله { ربا } مستقلا وأترك عبادة الله أو شريكا لله فأعبدهما معا { وهو } أي والحال أنه { رب كل شيء } والذي تدعونني إلى عبادته هو من جملة من هو مربوب له مخلوق مثلي ، لا يقدر على نفع ولا ضرر ، فيكف يكون المملوك شريكا لمالكه ، وفي هذا الكلام من التقريع والتوبيخ لهم ما لا يقادر قدره .

{ ولا تكسب كل نفس إلا عليها } أي لا تؤخذ بما أتت من الذنب وارتكبت من المعصية سواها فكل نفس كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها . وهو مثل قوله تعالى { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } وقوله ( لتجزى كل نفس بما تسعى ) { ولا تزر } تحمل نفس { وازرة } حاملة { وزر } حمل { أخرى } ولا تؤاخذ نفس آثمة بإثم أخرى{[735]} .

وأصل الوزر الثقل ، ومنه قوله تعالى { ووضعنا عنك وزرك } وهو هنا الذنب ، قال ابن عباس لا يؤاخذ أحد بذنب أحد ، وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ، وفيه رد لما كانت عليه الجاهلية من مؤاخذة القريب بذنب قريبه . والواحد من القبيلة بذنب الآخر ، وقد قيل : إن المراد بهذه الآية في الآخرة ، وكذلك التي قبلها لقوله تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } ومثله قول زينب بنت جحش يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث ) {[736]} .

والأولى حمل الآية على ظاهرها ، أعني العموم وما ورد من المؤاخذة بذنب الغير كالدية التي تحملها العاقلة ونحو ذلك فيكون في حكم المخصص لهذا العموم ويقر في موضعه ، ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى { ولتحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } فإن المراد بالأثقال التي مع أثقالهم هي أثقال الذين يضلونهم كما في الآية الأخرى { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } .

{ ثم إلى ربكم مرجعكم } يوم القيامة { فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } في الدنيا من الأديان والملل وعند ذلك يظهر حق المحقين وباطل المبطلين .


[735]:روى أبو داود عن أبي رمته قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلن/ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي: (ابنك هذا) ؟ قال: أي ورب الكعبة. قال: (حقا). قال: اقسم النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكا منها ثبت شبهي في أبي، ومن حلف ابي علي. ثم قال: (أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه). وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
[736]:مسلم 2880 – البخاري 1582.