الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

قوله سبحانه : { قُلْ أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ . . . } [ الأنعام :164 ] .

حكى النَّقَّاش أنه روي أنَّ الكُفَّار قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : ارجع يا محمَّد إلى ديننا ، واعبد آلهتنا ، واترك ما أنت عليه ، ونحن نتكفَّل لك بكلِّ تباعة تتوقَّعها في دُنْيَاك وآخرتك ، فنزلَتْ هذه الآية ، وهي استفهام يقتضي التوبيخَ لهم ، و{ أَبْغِي } : معناه أَطْلُبْ ، فكأنه قال : أفَيَحْسُنُ عندكم أن أَطْلُبَ إلهاً غير اللَّه الذي هو رَبُّ كلِّ شيء ، وما ذكَرْتُم من كَفَالَتِكُمْ باطلٌ ليس الأمرُ كما تظُنُّون ، فلا تَكْسِبُ كلُّ نفس من الشَّرِّ والإثم إلا عليها وحْدها ، { وَلاَ تَزِرُ } ، أي : تحملُ { وازرة } ، أي : حاملةٌ حمل أخرى وثقلها ، و«الوِزْر » : أصله الثقل ، ثم استعمل في الإثم ، تجوُّزاً واستعارة ، { ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } : تهديد ووعيد ، وقوله : { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ، أي : في أمري في قول بعضكم : هو سَاحِرٌ ، وبعضكم : هو شاعرٌ ، إلى غير ذلك ، قاله بعض المتأوِّلين ، وهذا التأويلُ يَحْسُنُ في هذا الموضع ، وإن كان اللفظ يعمُّ جميع أنواع الاختلافاتِ بَيْن الأديان والمِلَلِ والمَذَاهِب وغَيْرِ ذلك .