المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (164)

حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع يا محمد إلى ديننا واعبد آلهتنا واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك ، فنزلت هذه الآية ، وهي استفهام يقتضي التقرير والتوقيف والتوبيخ ، و { أبغي } معناه أطلب ، فكأنه قال : أفيحسن عندكم أن أطلب إلهاً غير الله الذي هو رب كل شيء ؟ وما ذكرتم من كفالتكم لا يتم لأن الأمر ليس كما تظنونه ، وإنما كسب كل نفس من الشر والإثم عليها وحدها { ولا تزر } أي لا تحمل وازرة أي حاملة ِحمل أخرى وثقلها ، والوزر أصله الثقل ، ثم استعمل في الإثم لأنه ينقض الظهر تجوزاً واستعارة ، يقال منه : وزر الرجل يزر فهو وازر ووزر يوزر فهو موزور ، وقوله { ثم إلى ربكم مرجعكم } تهديد ووعيد { فينبئكم } أي فيعلمكم أن العقاب على الاعوجاج تبيين لموضع الحق ، وقوله { بما كنتم فيه تختلفون } يريد على ما حكى بعض المتأولين من أمري في قول بعضكم هو ساحر وبعضكم هو شاعر . وبعضكم افتراه ، وبعضكم إكتتبه ، ونحو هذا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يحسن في هذا الموضع وإن كان اللفظ يعم جميع أنواع الاختلافات من الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك .