معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم } قال عطاء عن ابن عباس : أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته ، { وأهليكم ناراً } يعني : مروهم بالخير وانهوهم عن الشر ، وعلموهم وأدبوهم ، تقوهم بذلك ناراً ، { وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة } يعني خزنة النار ، { غلاظ } ، فظاظ على أهل النار ، { شداد } أقوياء يدفع الواحد سبعين ألفاً في النار ، وهم الزبانية ، لم يخلق الله فيهم الرحمة . { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

{ 6 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

أي : يا من من الله عليهم بالإيمان ، قوموا بلوازمه وشروطه .

ف { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة ، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله ، والقيام بأمره امتثالًا ، ونهيه اجتنابًا ، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب ، ووقاية الأهل [ والأولاد ] ، بتأديبهم وتعليمهم ، وإجبارهم على أمر الله ، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه ، وفيما يدخل{[1163]}  تحت ولايته من الزروجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه .

ووصف الله النار بهذه الأوصاف ، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } كما قال تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } .

{ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ } أي : غليظة أخلاقهم ، عظيم{[1164]}  انتهارهم ، يفزعون بأصواتهم ويخيفون{[1165]}  بمرآهم ، ويهينون أصحاب النار بقوتهم ، ويمتثلون{[1166]}  فيهم أمر الله ، الذي حتم عليهم العذاب{[1167]}  وأوجب عليهم شدة العقاب ، { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام ، وانقيادهم لأمر الله ، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به .


[1163]:- في ب: وفيمن يدخل.
[1164]:- في ب: شديد.
[1165]:- في ب: ويزعجون.
[1166]:- في ب: وينفذون.
[1167]:- في ب: بالعذاب.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

وفي ظلال هذا الحادث الذي كان وقعه عميقا في نفوس المسلمين ، يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير ، في قوا أنفسهم وأهليهم من النار . ويرسم لهم مشهدا من مشاهدها . وحال الكفار عندها . وفي ظلال الدعوة إلى التوبة التي وردت في سياق الحادث يدعو الذين آمنوا إلى التوبة ، ويصور لهم الجنة التي تنتظر التائبين . ثم يدعو النبي [ صلى الله عليه وسلم ] إلى جهاد الكفار والمنافقين . . وهذا هو المقطع الثاني في السورة :

( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ، وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون . يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم ، إنما تجزون ما كنتم تعملون . يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا ، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير . يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ، ومأواهم جهنم وبئس المصير ) . .

إن تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة . فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله ، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك . إنها نار . فظيعة متسعرة : ( وقودها الناس والحجارة ) . . الناس فيها كالحجارة سواء . في مهانة الحجارة وفي رخص الحجارة ، وفي قذف الحجارة . دون اعتبار ولا عناية . وما أفظعها نارا هذه التي توقد بالحجارة ! وما أشده عذابا هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة ! وكل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب : ( عليها ملائكة غلاظ شداد ) . تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون . . ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) . . فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم ، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم . . وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة . وعلى المؤمن أن يقي نفسه وأن يقي أهله من هذه النار . وعليه أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار . فها هم أولاء الذين كفروا يعتذرون وهم عليها وقوف ، فلا يؤبه لاعتذارهم ، بل يجبهون بالتيئيس :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم بترك المعاصي وفعل الطاعات وأهليكم بالنصح والتأديب وقرئ وأهلوكم عطف على واو قوا فيكون أنفسكم أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين نارا وقودها الناس والحجارة نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب عليها ملائكة تلي أمرها وهم الزبانية غلاظ شداد غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى ويفعلون ما يؤمرون فيما يستقبل أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

قوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم } معناه : اجعلوا وقاية بينكم وبين النار ، وقد تقدم غير مرة تعليل اللفظة ، وقوله تعالى : { وأهليكم } معناه : بالوصية لهم والتقويم والحمد على طاعة الله تعالى ، وفي حديث : «لا تزن فيزني أهلك » ، وفي حديث آخر : «رحم الله رجلاً قال : يا أهلاه ، صلاتكم ، صيامكم ، مسكينكم ، يتيمكم »{[11193]} ، وقرأ الجمهور : «وقَودها » بفتح الواو ، وقرأ مجاهد والحسن وطلحة وعيسى والفياض بن غزوان وأبو حيوة بضمها ، وقيل هما بمعنى ، وقيل الضم مصدر والفتح اسم ، ويروى أن { الحجارة } : هي حجارة الكبريت ، وقد تقدم القول في ذلك في سورة البقرة . ويروى أنها جميع أنواع الحجارة ، وفي بعض الحديث أن عيسى ابن مريم سمع أنيناً في فلاة من الأرض فتبعه حتى بلغ إلى حجر يئن ويحزن ، فقال له : ما بالك أيها الحجر ؟ فقال : يا روح الله ، إني سمعت الله يقول : { وقودها الناس والحجارة } ، فخفت أن أكون من تلك الحجارة ، فعجب منه عيسى وانصرف ، ويشبه أن يكون هذا المعنى في التوراة أو في الإنجيل ، فذلك الذي سمع الحجر إذا عبر عنه بالعربية كان هذا اللفظ ، ووصف الملائكة بالغلظة معناه في القلوب والبطش الشديد والفظاظة ، كما قال تعالى لنبيه : { ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }{[11194]} [ آل عمران : 159 ] والشدة القوة ، وقيل المراد شدتهم على الكفار ، فهي بمعنى الغلظ ، ووصفهم تعالى بالطواعية لربهم ، وكرر المعنى تأكيداً بقوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } ، وفي قوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } ما يقتضي أنهم يدخلون الكفار النار بجد واختيار ، ويغلظون عليهم ، فكأنه قال بعد تقرير هذا المعنى ، فيقال للكفار : { لا تعتذروا اليوم }


[11193]:لم أقف على هذا الحديث والذي قبله، والحديث الواضح في معنى الآية هو الذي رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها)، وهذا لفظ أبي داود، ومثله في معنى الآية ما أخرجه ابن مردويه، عن زيد ابن أسلم، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}، قالوا: يا رسول الله كيف نقي أهلنا نارا؟ قال: تأمرونهم بما يحبه الله وتنهونهم عما يكره الله).
[11194]:من الآية (159) من سورة (آل عمران).