البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

ولما وعظ أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم موعظة خاصة ، أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم ، وعطف { وأهليكم } على { أنفسكم } ، لأن رب المنزل راع وهو مسؤول عن أهله .

ومعنى وقايتهم : حملهم على طاعته وإلزامهم أداء ما فرض عليهم .

قال عمر : يا رسول الله ، نقي أنفسنا ، فكيف لنا بأهلينا ؟ قال : « تنهونهن عما نهاكم الله تعالى عنه ، وتأمرونهن بما أمركم الله به ، فتكون ذلك وقاية بينهن وبين النار » ، ودخل الأولاد في { وأهليكم } .

وقيل : دخلوا في { أنفسكم } لأن الولد بعض من أبيه ، فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي .

وقرىء : وأهلوكم بالواو ، وهو معطوف على الضمير في { قوا } وحسن العطف للفصل بالمفعول .

وقال الزمخشري : فإن قلت : أليس التقدير قوا أنفسكم وليق أهلوكم أنفسهم ؟ قلت : لا ، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده ، فكأنه قيل : قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم .

لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه .

فجعلت ضميرهما معاً على لفظ المخاطب . انتهى .

وناقض في قوله هذا لأنه قدر وليق أهلوكم فجعله من عطف الجمل ، لأن أهلوكم اسم ظاهرة لا يمكن عنده أن يرتفع بفعل الآمر الذي للمخاطب ، وكذا في قوله : { اسكن أنت وزوجك الجنة } ثم قال : ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو ، فناقض لأنه في هذا جعله مقارناً في التقدير للواو ، وفيما قبله رفعه بفعل آخر غير الرافع للواو وهو وليق ، وتقدم الخلاف في فتح الواو في قوله : { وقودها } وضمها في البقرة .

وتفسير { وقودها الناس والحجارة } في البقرة { عليها ملائكة } : هي الزبانية التسعة عشر وأعوانهم .

ووصفهم بالغلظ ، إما لشدة أجسامهم وقوتها ، وإما لفظاظتهم لقوله : { ولو كنت فظاً غليظ القلب } أي ليس فيهم رقة ولا حنة على العصاة .

وانتصب { ما أمرهم } على البدل ، أي لا يعصون أمره لقوله تعالى : { أفعصيت أمري } أو على إسقاط حرف الجر .

أي فيما أمرهم { ويفعلون ما يؤمرون } .

قيل : كرر المعنى توكيداً .

وقال الزمخشري : فإن قلت : أليس الجملتان في معنى واحد ؟ قلت : لا فإن معنى الأولى : أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية : أنهم يودون ما يؤمرون ، لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه .