فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم } بفعل ما أمركم به ، وترك ما نهاكم عنه أي اجعلوا لها وقاية بالتأسي به صلى الله عليه وسلم في ترك المعاصي ، وفعل الطاعات { وأهليكم } من النساء والولدان ، وكل من يدخل في هذا الاسم بأمرهم بطاعة الله ، ونهيهم عن معاصيه ، وبأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم نصحا وتأديبا .

{ نارا وقودها الناس والحجارة } أي نارا عظيمة ، تتوقد بالناس الكفار والحجارة ، كالأصنام منها ، كما يتوقد قد غيرها بالحطب ، وقيل : الكبريت لأنه أشد الأشياء حرا وأسرع إيقادا ، وقد تقدم بيان هذا في سورة البقرة ، قال مقاتل بن سليمان : قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة وقال قتادة ومجاهد . قوا أنفسكم بفعالوأهليكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم ، قال ابن جرير : فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب ، ومن هذا قوله : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } ، وقوله : { وأنذر عشيرتك الأقربين } ، وعن علي بن أبي طالب في الآية قال : علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم ، وعن ابن عباس قال : اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار ، وعنه قال : أدبوا أهليكم .

{ عليها ملائكة } أي على النار خزنة من الملائكة يولون أمرها وتعذيب أهلها ، وهم الزبانية { غلاظ } على أهل النار { شداد } عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم ، لأن الله سبحانه وتعالى خلقهم من غضبه ، وحبب إليهم تعذيب خلقه ، وقيل : غلاظ الأقوال شداد الأفعال ، وقيل : الغلاظ ضخام الأجسام والشداد الأقوياء ، وقيل : المراد غلاظ القلوب شداد الأبدان ، من غلظ القلب أي قسوته ، لا من غلظ الجسم ولا من غلظ القول .

" عن أبي عمران الجوني قال : بلغنا أن خزنة النار تسعة عشر ما بين منكب أحدهم مسيرة مائة خريف ، وليس في قلوبهم رحمة إنما خلقوا للعذاب يضرب الملك منهم الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحنا من لدن قرنه إلى قدمه " أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد .

{ لا يعصون الله ما أمرهم } أي لا يخالفونه في أمره وما موصولة ، والعائد محذوف ، أي لا يعصون الله الذي أمرهم به ، أو مصدرية أي لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف ، أو على تقدير نزع الخافض ، أي لا يعصون الله في أمره { ويفعلون ما يؤمرون } به أي يؤدونه في وقته من غير تراخ ، لا يؤخرونه عنه ولا يقدمونه ، وليست الجملتان في معنى واحد إذ معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ، ومعنى الثانية أنهم يؤدون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه ، وقيل : الثانية تأكيد للأولى ، وبه قال المحلي لأن مفادها هو مفادها ، وقيل : الأولى فيما مضى ، والثانية فيما يستقبل ، وصرح بهذا البيضاوي ، والآية تخويف للمؤمنين عن الارتداد ، وللمنافقين المؤمنين بألسنتهم دون قلوبهم .