الآية 6 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } يحتمل أن يكون معناه : قوا أنفسكم في ما تدعو أنفسكم إليه ، لأن الأنفس تأمرهم بالسوء ، وتدعوهم إليه كما قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } [ التغابن : 14 ] .
وجائز أن يكون قوله تعالى : { قوا أنفسكم وأهليكم } أي قوها عن الطريق الذي إذا سلكتموه أفضى بكم إلى النار ، وقوا أهليكم أيضا عن ذلك الطريق ، وذلك يكون بالعمل لأن العمل على ضربين : عمل يفضي بصاحبه إلى الجنة ، وعمل يفضي به إلى النار ، فيكون التقوى في هذا الوجه راجعا إلى الأعمال ، وفي الوجه الأول إلى الأنفس .
ويحتمل { قوا أنفسكم } باكتساب الأسباب التي هي أسباب النجاة من العطب والهلاك { وأهليكم } في أن تعلّموهم الأسباب التي هي أسباب الخلاص من النار .
وقال مجاهد : تأويله{ قوا أنفسكم } وليتق أهلوكم ، النار .
ثم علمنا وجه الاتقاء بقوله تعالى : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } [ البقرة : 201 ] قال : منا التضرع إليه والفزع لديه ليكون هو بفضله يقي عنا النار لما علم أنها لا تصل إلينا بقوى أنفسنا وحيلنا .
وقوله تعالى : { نارا وقودها الناس والحجارة } فهذا على المبالغة في وصف شدة النار .
وأخبر أن شدتها ، تنتهي إلى هذا ؛ في أن صيّر الناس وقودا ، وكذلك الحجارة ، والناس والحجارة لا ينفدان في النار ، لأن النار إذا علمت في الإنسان حرقته ، ولم تنفده ، فلا يصير وقودا ، وكذلك إذا أصابت الحجارة رضّتها ، ولشّتها ، فيكون فيه تبيين شدتها إبلاغا في الزجر .
وجائز أن يكون أريد بالحجارة التي اتخذوها أصناما ، يعبدونها من دون الله ، فكانوا يعبدونها لتنصرهم ، وتدفع عنهم العذاب كما قال تعالى : { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا } { كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا } [ مريم : 81و82 ] أي يصير عذابا عليهم ، وهم رجوا أن يكون سببا لخلاصهم ، فصارت عليهم ضدا .
وقوله تعالى : { عليها ملائكة غلاظ شداد } جائز أن يكون هذا وصفهم أنهم خلقوا غلاظا شدادا ، وجائز أن يكونوا أشداء على الكفار وأعداء الله تعالى رحماء على أوليائه .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } ؟ { النحل : 50والتحريم : 6 ] تتبين{[21585]} أن اشتدادهم بمكان الأمر ، وهو كقوله تعالى : { والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركّعا سجّدا } [ الفتح : 29 ] . وصفهم بالشدة على الكفار وبالرحمة على المؤمنين .
فجائز أن يكون الملائكة كذلك في الآخرة ، وهذا دلالة أن الملائكة امتحنوا بالأمر والنهي في الآخرة ، لأن ملائكة الرحمة امتحنوا بإيتاء التحف والكرامات إلى أهل الجنة ، وملائكة العذاب امتحنوا بتعذيب أهل النار بالغلظة عليهم والشدة ، وإذا أمر كل من الفريقين بما ذكرنا فقد نهي عن تركه .
قال أبو بكر الأصم : في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } وقوله : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا } لم يذكر الله تعالى أهل الصلاة ولا ألحق بهم الوعيد ؛ فهم يقطعون الوعيد عمن ألحق الله تعالى بهم الوعيد ، وهم المؤمنون ، ويلزمونه على من لم يجر ذكره في القرآن ، ولا ألحق به الوعيد . وهذا تحريف الكتاب وقلب القصة .
ولأنه صار من أهل الصلاة بإيمانه ، إذ لولا إيمانه لما كان هو من أهل الصلاة . { ولما ألحقوا الوعيد بأهل الصلاة ]{[21586]} فقد ألحقوه بأهل الإيمان ، فلم يبق بيننا وبينهم إلا سوء الخلق ، وإلا فلا معنى لقلبه عن أهل الإيمان وإلحاقه بأهل الصلاة ، وأهل الصلاة ، هم أهل الإيمان .
ثم الوعيد على قولهم إنما يلزم أهل الإيمان في وقت خروجهم من الإيمان ، ونحن نقول في الوعيد المذكور في أهل الإيمان : إنه يجوز أن يلحقهم وقت إيمانهم ، بل يعذبهم الله تعالى بإجرامهم ، ويحتمل أن يقع لهم الوعيد إذا خرجوا من الإيمان ، وهم يقطعون الوعيد من أحد الوجهين ، ويجعلونه على الوجه الآخر . ونحن نلزمهم الوعيد إذا خرجوا الإيمان ، ولا يبقى الوعيد على من لم يخرج بعد من إيمانه . فصرنا نحن أشد استعمالا لما يقتضيه ظاهر الآيات منهم ، فصار العموم حجة عليهم ، لا علينا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.