{ قُواْ أَنفُسَكُمْ } بترك المعاصي وفعل الطاعات { وَأَهْلِيكُمْ } بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم . وفي الحديث : " رحم الله رجلاً قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعلّ الله يجمعهم معه في الجنة " وقيل : إنّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة من جهل أهله . وقرىء : «وأهلوكم » ، عطفاً على واو { قوا } وحسن العطف للفاصل .
فإن قلت : أليس التقدير : قوا أنفسكم ، وليق أهلوكم أنفسهم ؟ قلت : لا ، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو ، وأنفسكم واقع بعده ، فكأنه قيل : قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه ، فجعلت ضميرهما معاً على لفظ المخاطب { نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة } نوعاً من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة ، كما يتقد غيرها من النيران بالحطب . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي حجارة الكبريت ، وهي أشدّ الأشياء حراً إذا أوقد عليها . وقرىء : «وقودها » بالضم ، أي ذو وقودها { عليها } يلي أمرها وتعذيب أهلها { ملائكة } يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم { غِلاَظٌ شِدَادٌ } في أجرامهم غلظة وشدّة ، أي : جفاء وقوّة . أو في أفعالهم جفاء وخشونة ، لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله والغضب له والانتقام من أعدائه { مَا أَمَرَهُمْ } في محل النصب على البدل ، أي : لا يعصون ما أمر الله . أي : أمره ، كقوله تعالى : { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى } [ طه : 93 ] أو لا يعصونه فيما أمرهم .
فإن قلت : أليست الجملتان في معنى واحد ؟ قلت : لا ، فإنّ معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية : أنهم يؤدون ما يؤمرون به لا يتثافلون عنه ولا يتوانون فيه .
فإن قلت : قد خاطب الله المشركين المكذبين بالوحي بهذا بعينه في قوله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار التى وَقُودُهَا الناس والحجارة } [ البقرة : 24 ] وقال : { أُعِدَّتْ للكافرين } [ البقرة : 24 ] فجعلها معدّة للكافرين ، فما معنى مخاطبته به بالمؤمنين ؟ قلت : الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار ، فإنهم مساكنون الكفار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا : قوا أنفسكم باجتناب الفسوق مساكنة الكفار الذين أعدت لهم هذه النار الموصوفة . ويجوز أن يأمرهم بالتوقي من الارتداد ، والندم على الدخول في الإسلام ، وأن يكون خطاباً للذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون ؛ ويعضد ذلك قوله تعالى على أثره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.