فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} (6)

قوله : { يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ } بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه { وَأَهْلِيكُمْ } بأمرهم بطاعة الله ونهيهم عن معاصيه { نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة } أي ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب ، وقد تقدّم بيان هذا في سورة البقرة . قال مقاتل بن سليمان : المعنى : قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة . وقال قتادة ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم . قال ابن جرير : فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب ومن هذا قوله : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا } [ طه : 132 ] وقوله : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين } [ الشعراء : 214 ] . { عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } أي على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها ، غلاظ على أهل النار شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم ، لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه ، وحبب إليهم تعذيب خلقه ، وقيل : المراد غلاظ القلوب : شداد الأبدان ، وقيل : غلاظ الأقوال شداد الأفعال ، وقيل : الغلاظ : ضخام الأجسام ، والشداد : الأقوياء { لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ } أي لا يخالفونه في أمره ، و«ما » في { مَا أَمَرَهُمْ } يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف : أي لا يعصون الله الذي أمرهم به ، ويجوز أن تكون مصدرية : أي لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف ، أو على تقدير نزع الخافض : أي لا يعصون الله في أمره { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي يؤدّونه في وقته من غير تراخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدّمونه .

/خ8