معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

قوله تعالى : { قالوا أوذينا } ، قال ابن عباس : لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل ، فقالوا يعني قوم موسى : إنا أوذينا .

قوله تعالى : { من قبل أن تأتينا } ، بالرسالة بقتل الأبناء .

قوله تعالى : { ومن بعد ما جئتنا } ، بإعادة القتل علينا ، وقيل : المراد منه أن فرعون كان يستسخرهم قبل مجيء موسى إلى نصف النهار ، فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا أجر ، وذكر الكلبي أنهم كانوا يضربون له اللبن بطين فرعون ، فلما جاء موسى أجبرهم أن يضربوه بطين من عندهم .

قوله تعالى : { قال } موسى .

قوله تعالى : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } ، فرعون .

قوله تعالى : { ويستخلفكم في الأرض } ، أي يسكنكم أرض مصر من بعدهم .

قوله تعالى : { فينظر كيف تعملون } ، فحقق الله ذلك بإغراق فرعون واستخلافهم في ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

{ قَالُوا } لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون ، وأذيته : { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا } فإنهم يسوموننا سوء العذاب ، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا { وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } كذلك ف { قَالَ } لهم موسى مرجيا [ لهم ]{[326]} الفرج والخلاص من شرهم : { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ } أي : يمكنكم فيها ، ويجعل لكم التدبير فيها { فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } هل تشكرون أم تكفرون ؟ . وهذا وعد أنجزه اللّه لما جاء الوقت الذي أراده اللّه .

قال اللّه تعالى في بيان ما عامل به آل فرعون في هذه المدة الأخيرة ، أنها على عادته وسنته في الأمم ، أن يأخذهم بالبأساء والضراء ، لعلهم يضرعون .


[326]:- زيادة من هامش ب.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

103

ولكن إسرائيل هي إسرائيل !

( قالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ) :

إنها كلمات ذات ظل ! وإنها لتشي بما وراءها من تبرم ! أوذينا قبل مجيئك وما تغير شيء بمجيئك . وطال هذا الأذى حتى ما تبدو له نهاية !

ويمضي النبي الكريم على نهجه . يذكرهم بالله ، ويعلق رجاءهم به ، ويلوح لهم بالأمل في هلاك عدوهم . واستخلافهم في الأرض . مع التحذير من فتنة الاستخلاف .

( قال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ، ويستخلفكم في الأرض ، فينظر كيف تعملون ) .

إنه ينظر بقلب النبي فيرى سنة الله ، تجري وفق وعده ، للصابرين ، وللجاحدين ! ويرى من خلال سنة الله هلاك الطاغوت وأهله ، واستخلاف الصابرين المستعينين بالله وحده . فيدفع قومه دفعاُ إلى الطريق لتجري بهم سنة الله إلى ما يريد . . وهو يعلمهم - منذ البدء - أن استخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم . ليس أنهم أبناء الله وأحباؤه - كما زعموا - فلا يعذبهم بذنوبهم ! وليس جزافاً بلا غاية . وليس خلوداً بلا توقيت . إنه استخلاف للامتحان : ( فينظر كيف تعملون ) . . وهو سبحانه يعلم ماذا سيكون قبل أن يكون . ولكنها سنة الله وعدله ألا يحاسب البشر حتى يقع منهم في العيان ، ما هو مكشوف من الغيب لعلمه القديم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

{ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } أي : قد جرى علينا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى ، ومن بعد ذلك . فقال منبهًا لهم على حالهم الحاضرة{[12027]} وما يصيرون{[12028]} إليه في ثاني الحال : { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ [ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ] }{[12029]} وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر ، عند حلول النعم وزوال النقم .


[12027]:في ك، د، م: "الحاضر".
[12028]:في د: "يصير".
[12029]:زيادة من د، ك، م، وفي هـ: "الآية".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

وقولهم : { من قبل أن تأتينا } يعنون به الذبح الذي كان فالمدة التي كان فرعون يتخوف فيها أن يولد المولود الذي يخرب ملكه ، والذي من بعد مجئيه يعنون به وعيد فرعون وسائر ما كان خلال تلك المدة من الإخافة لهم ، وقال السدي وابن عباس رضي الله عنه : إنما قالت بنو إسرائيل هذه المقالة حين اتبعهم فرعون واضطرهم إلى البحر فضاقت صدورهم ورأوا بحراً أمامهم وعدواً كثيفاً وراءهم فقالوا هذه المقالة .

قال القاضي أبو محمد : وبالجملة هو كلام يجري مع المعهود من بني إسرائيل من اضطرابهم على أنبيائهم وقلة يقينهم وصبرهم على الدين واستعطاف موسى لهم بقوله : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدل على أنه يستدعي نفوساً نافرة ، ويقوي هذا الظن في بني إسرائيل سلوكهم هذه السبيل في غير قصة ، وحكى النقاش أنهم قالوا ذلك بمصر حين كلفهم فرعون من العمل ما لا يطيقون ، وروي أنه كان يكلفهم عمل الطوب ويمنعهم التبن ليشق عليهم عمله ، وقوله تعالى : { فينظر كيف تعملون } تنبيه وحض على الاستقامة ، وإن قدر هذا الوعد أنه من عند الله فيتخرج عليه قول الحسن بن أبي الحسن : { عسى } من الله واجبة ، وقداستخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان ، وقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ} (129)

{ قالوا } حكاية جواب قوم موسى إياه ، فلذلك فصلت جملة القول على طريقة المحاورة ، وهذا الخبر مستعمل في الشكاية واستئثارتهم موسى ليدعو ربه أن يفرج كربهم .

والإيذاء : الإصابة بالأذى ، والأذى ما يؤلم ويحزن من قول أو فعل ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { لن يضروكم إلاّ أذى } في سورة آل عمران ( 111 ) ، وقوله : { فصَبروا على ما كُذبوا وأوذوا } في سورة الأنعام ( 34 ) ، وهو يكون ضعيفاً وقوياً ، ومرادهم هنا القوي منه ، وهو ما لحقهم من الاستعباد وتكليفهم الأعمال الشاقة عليهم في خدمة فرعون وما توعدهم به فرعون بعد بعثة موسى من القطع والصلب وقتل الأبناء ، وكأنهم أرادوا التعريض بنفاد صبرهم وأن الأذى الذي مسهم بعد بعثة موسى لم يكن بداية الأذى ، بل جاء بعد طول مدة في الأذى ، فلذلك جمعوا في كلامهم ما لحقهم قبل بعثة موسى .

وقد توهم بعض المفسرين أن هذا امتعاض منهم مما لحقهم بسبب موسى وبواسطته مستنداً إلى أن قتل الذكور منهم كان قبل مجيء موسى بسبب توقع ولادة موسى ، وكان الوعيد بمثله بعد مجيئه بسبب دعوته ، وليس ذلك بمتجه لأنه لو كان هو المراد لما كان للتعبير بقوله : { من قبل أن تأتينا } موقع ، والإتيان والمجيء مترادفان ، فذكر المجيء بعد الإتيان ليس لاختلاف المعنى ، ولكنه للتفنن وكراهية إعادة اللفظ .

والإتيان والمجيء مدلولهما واحد ، وهو بعثة موسى بالرسالة ، فجعل الفعل المعبّر عنه حين عُلق به ( قبل ) بصيغة المضارع المقترن ب ( أن ) الدالة على الاستقبال والمصدرية لمناسبة لفظ ( قبل ) لأن ما يضاف إلى ( قبل ) مستقبل بالنسبة لمدلولها ، وجُعل حين علق به ( بعد ) بصيغة الماضي المقترن بحرف ( مّا ) المصدرية لأن ( ما ) المصدرية لا تفيد الاستقبال ليناسب لفظ ( بعد ) لأن مضاف كلمة ( بعد ) ماض بالنسبة لمدلولها .

فأجابهم موسى بتقريب أن يكونوا هم الذين يرثون مُلك الأرض والذين تكون لهم العاقبة .

وجاء بفعل الرجاء دون الجزم تأدباً مع الله تعالى ، وإقصاء للاتكال على أعمالهم ليزدادوا من التقوى والتعرض إلى رضى الله تعالى ونصره . فقوله : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } ناظر إلى قوله : { إن الأرض لله } [ الأعراف : 128 ] وقوله : { ويَسْتخلفَكم في الأرض } ناظر إلى قوله { والعاقبة للمتقين } [ الأعراف : 128 ] .

والمراد بالعدو ، فرعون وحزبه ، فوصفُ عدو يوصف به الجمع قال تعالى : { هم العدو } [ المنافقون : 4 ] .

والمراد بالاستخلاف : الاستخلاف عن الله في مُلك الأرض . والاستخلاف إقامة الخليفة ، فالسين والتاء لتأكيد الفعل مثل استجاب له ، أي جعلهم أحراراً غالبين ومؤسسين ملكاً في الأرض المقدسة .

ومعنى { فينظر كيف تعملون } التحذير من أن يعملوا ما لا يرضي الله تعالى ، والتحريض على الاستكثار من الطاعة ليستحقوا وصف المتقين ، تذكيراً لهم بأنه عليم بما يعملونه .

فالنظر مستعمل في العلم بالمرئيات ، والمقصود بما { تعملون } عملهم مع الناس في سياسة ما استخلفوا فيه ، وهو كله من الأمور التي تشاهد إذ لا دخل للنيات والضمائر في السياسة وتدبير الممالك ، إلاّ بمقدار ما تدفع إليه النيات الصالحة من الأعمال المناسبة لها ، فإذا صدرت الأعمال صالحة كما يرضي الله ، وما أوصى به ، حصل المقصود ، ولا يضرها ما تكنه نفس العامل .

و ( كيف ) يجوز كونها استفهاماً فهي معلّقة لفعل ( ينظرُ ) عن المفعول ، فالتقدير فينظر جواب السؤال ب { كيف تعملون } ، ويجوز كونها مجردة عن معنى الاستفهام دالة على مجرد الكيفية ، فهي مفعول به ل { ينظرَ } كما تقدم في قوله تعالى : { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } في سورة آل عمران ( 6 ) ، وقوله تعالى : { انظْر كيف نبين لهم الآيات } في سورة المائدة ( 75 ) وقد تقدم .